{وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}

6752 - {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}

20-02-2015 4126 مشاهدة
 السؤال :
يقول الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} فهل خلق الإنسان للاختلاف أم للرحمة؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 6752
 2015-02-20

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَولُهُ تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ يَعنِي: لَو أَرَادَ اللهُ تعالى أن يَكُونَ النَّاسُ جَمَاعَةً وَاحِدَةً في دِينِهَا وتَقوَاهَا واتِّزَانِ عُقُولِهَا، بِحَيثُ لا يَقَعُ من أَحَدٍ كُفْرٌ ولا إِفسَادٌ لَكَانَ ذلكَ، وأَعطَاهُمُ الاختِيَارَ، وَوَضَّحَ لَهُمُ الطَّرِيقَ، وأَقَامَ عَلَيهِمُ الحُجَّةَ، وهذا كَقَولِهِ تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾.

أمَّا قَولُهُ تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ فَإِنَّهُ يَعنِي: ولَكِنَّهُمُ اختَلَفُوا بِسُوءِ رَأْيِهِم، وباتِّبَاعِهِم للشَّهَوَاتِ، وبِإِضَاعَةِ فِطْرَتِهِمُ التي فَطَرَهُمُ اللهُ تعالى عَلَيهَا، وبِسَبَبِ عِنَادِهِم للحَقِّ بَعدَ مَعْرِفَتِهِ، فبالجُزْءِ الاختِيَارِيِّ الذي أَعطَاهُمُ اللهُ تعالى إِيَّاهُ، بَعْضُهُم سَلَكَ سَبِيلَ الهِدَايَةِ، والآخَرُ سَلَكَ سَبِيلَ الغِوَايَةِ باختِيَارِهِ، فَمِنهُم من جَعَلَ هَوَاهُ خِلافَاً لِمَا جَاءَ بِهِ الشَّرعُ الشَّرِيفُ، ومِنهُم من جَعَلَ هَوَاهُ مُنضَبِطَاً بِمَا جَاءَ بِهِ الرُّسُلُ الكِرَامُ.

أمَّا قَولُهُ تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ فَإِنَّهُ يَعنِي: أنَّ اللهَ تعالى خَلَقَهُم للتَّكلِيفِ، وأَعَانَهُم على الالتِزَامِ بهذا التَّكلِيفِ بأنْ خَلَقَهُم على الفِطْرَةِ، وأَعطَاهُمُ العُقُولَ، وأَرسَلَ إِلَيهِمُ الرُسُلَ، ثمَّ أَعطَاهُمُ الاختِيَارَ، لِيَكُونُوا في رَحمَةِ اللهِ تعالى جَمِيعَاً، ولَكِنَّهُم أَفسَدُوا فِطْرَةَ اللهِ تعالى بِسَبَبِ سُوءِ اختِيَارِهِم، واتِّبَاعِهِم للشَّهَوَاتِ، فَحَرَمُوا أَنفُسَهُم من رَحمَةِ اللهِ تعالى.

وبناء على ذلك:

فاللهُ تعالى قَادِرٌ على أن يَجعَلَ النَّاسَ كالمَلائِكَةِ الكِرَامِ، لا يَعصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم، ويَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ، ولَكِنَّهُ شَاءَ تَبَارَكَ وتعالى أن يَخلُقَهُم للاختِبَارِ والابتِلاءِ، وأَعطَاهُمُ القُدرَةَ على الاختِيَارِ، وأَنزَلَ لَهُمُ الشَّرعَ لِهِدَايَتِهِم رَحمَةً مِنهُ تعالى، ولكن باختِيَارِهِمُ اختَلَفُوا، فَمِنهُم من آمَنَ فَكَانَ من أَهلِ الجَنَّةِ، ومِنهُم من كَفَرَ فَكَانَ من أَهلِ النَّارِ.

 

فَهَدَى اللهُ تعالى الجَمِيعَ هِدَايَةَ دِلالَةٍ، فَمن سَأَلَ اللهَ تعالى العَونَ على الالتِزَامِ بهذا الهَدْيِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى وَأَعَانَهُ، ومِنهُم من أَعرَضَ عن ذلكَ فَخَسِرَ الدُّنيَا والآخِرَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
4126 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  التفسير وعلوم القرآن

 السؤال :
 2023-08-07
 302
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾؟
رقم الفتوى : 12669
 السؤال :
 2023-03-23
 1465
مَا هِيَ النَّارُ الكُبْرَى المُشَارُ إِلَيْهَا في قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى* ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾؟
رقم الفتوى : 12465
 السؤال :
 2023-03-23
 663
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾؟
رقم الفتوى : 12464
 السؤال :
 2023-01-30
 1728
مَا هُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾؟
رقم الفتوى : 12370
 السؤال :
 2022-08-03
 1455
مَا المَقْصُودُ بِالخَيْطِ الأَبْيَضِ وَالخَيْطِ الأَسْوَدِ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾؟
رقم الفتوى : 12087
 السؤال :
 2022-07-20
 983
يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾. كَيْفَ يَكُونُ الإِيذَاءُ للهِ تعالى، وَحَاشَاهُ أَنْ يَصِلَ لَهُ ضُرٌّ مِنَ الخَلْقِ؟
رقم الفتوى : 12068

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4799
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414908432
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :