الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَولُ اللهِ تعالى في سورة الحجر: ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ * مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ﴾. يَعنِي: أَنَّهُ مَا أَهلَكَ قَريَةً إلا بَعدَ قِيَامِ الحُجَّةِ عَلَيهَا وانْتِهَاءِ أَجَلِهَا، وأَنَّهُ لا يُؤَخِّرُ أُمَّةً حَانَ هَلاكُهَا عن مِيقَاتِهَا، ولا يَتَقَدَّمُونَ عن مُدَّتِهِم، وهذا تَنبِيهٌ لأَهْلِ مَكَّةَ، وإِرشَادٌ لَهُم إلى الإِقلاعِ عَمَّا هُم فِيهِ من الشِّرْكِ والعِنَادِ والإِلحَادِ، الذي يَسْتَحِقُّونَ بِهِ الهَلاكَ.
أمَّا قَولُهُ تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابَاً شَدِيدَاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورَاً﴾. فَيَقُولُ عِنْدَهَا ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: هذا إخْبَارٌ من اللهِ عزَّ وجلَّ بِأَنَّهُ قد حَتَمَ وَقَضَى بِمَا قَد كَتَبَهُ عِنْدَهُ في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ: أَنَّهُ مَا مِن قَريَةٍ إلا سَيُهْلِكُهَا، بِأَنْ يُبِيدَ أَهْلَهَا جَمِيعَهُم أو يُعَذِّبَهُم ﴿عَذَابَاً شَدِيدَاً﴾. إِمَّا بِقَتْلٍ أو ابْتِلاءٍ بِمَا يَشَاءُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذلكَ بِسَبَبِ ذُنُوبِهِم وَخَطَايَاهُم، كَمَا قَالَ عنِ الأُمَمِ المَاضِيةَ: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾. وقال تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابَاً شَدِيدَاً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابَاً نُكْرَاً * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرَاً﴾.
وبناء على ذلك:
فَهَاتَانِ الآيَتَانِ إِنذَارٌ من اللهِ تعالى لِعِبَادِهِ، بِأَنَّهُ تَبَارَكَ وتعالى لا يُهْلِكُ قَريَةً إلا بَعدَ قِيَامِ الحُجَّةِ عَلَيهِم، وظُلْمِهِم لأَنفُسِهِم بارْتِكَابِ المُخَالَفَاتِ الَّرعِيَّةِ.
ونَرجُو اللهَ تعالى أن لا يَنطَبِقَ هذا عَلَينَا في هذهِ الأَزمَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |