الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ مَؤُونَةِ عَامِلِي وَنَفَقَةِ نِسَائِي صَدَقَةٌ».
وروى الشيخان عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ».
وروى أبو داود والترمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارَاً وَلَا دِرْهَمَاً، إِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ».
مِنْ خِلَالِ هَذَا نَعْلَمُ بِأَنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا لِأَبْنَائِهِمْ أَمْوَالَاً، إِنَّمَا وَرَّثُوا لَهُمُ العِلْمَ.
أَمَّا سَيِّدُنَا سُلَيْمَانَ فَقَدْ أَكْرَمَهُ اللهُ تعالى بِأَنْ جَعَلَهُ نَبِيَّاً بَعْدَ أَبِيهِ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا لسَّلَامُ، وَسُمِّيَ مِيرَاثَاً تَجَاوُزَاً، يَعْنِي أَنَّ اللهَ تعالى هُوَ الذي أَعْطَاهُ ذَلِكَ بِاصْطِفَائِهِ لَهُ، وَلَيْسَ إِرْثَاً حَتْمِيَّاً مِنْ أَبِيهِ كَمَا تُورَثُ الأَمْوَالُ.
وبناء على ذلك:
فَالمُرَادُ بِوِرَاثَةِ سَيِّدِنَا سُلَيْمَانَ لِسَيِّدِنَا دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وِرَاثَةُ النُّبُوَّةِ، وَلَو كَانَ المُرَادُ وِرَاثَةَ المَالِ لَاشْتَرَكَ هُوَ وَإِخْوَتُهُ فِيهِ.
وَمِنْ هَذَا القَبِيلِ دُعَاءُ سَيِّدِنَا زَكَّرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيَّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾. وَمَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ الأَمْرَ لَا يَعْنِينَا بَعْدَ أَنْ خُتِمَتِ النُّبُوَّةُ بسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. هذا، والله تعالى أعلم.