﴿مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾

8074 - ﴿مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾

18-05-2017 2216 مشاهدة
 السؤال :
ما تفسير قول الله عز وجل: ﴿مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 8074
 2017-05-18

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: رَوَى الإمام أحمد والحاكم والترمذي أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾. مَا عَنَى بِذَلِكَ؟

قَالَ: قَامَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَخَطَرَ خَطْرَةً، فَقَالَ المُنَافِقُونَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ مَعَهُ: أَلَا تَرَوْنَ لَهُ قَلْبَانِ، قَلْبٌ مَعَهُمْ، وَقَلَبٌ مَعَكُمْ؟

فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾.

وَقِيلَ: نَزَلَتْ في أَبِي مَعْمَرٍ جَمِيلِ بْنِ مَعْمَرٍ الفِهْرِيِّ، وَكَانَ رَجُلًا لَبِيبَاً حَافِظَاً لِمَا يَسْمَعُ.

فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: مَا حَفِظَ أَبُو مَعْمَرٍ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إِلَّا وَلَهُ قَلْبَانِ.

وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ لِي قَلْبَيْنِ أَعْقِلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَفْضَلَ مِنْ عَقْلِ مُحَمَّدٍ.

فَلَمَّا هَزَمَ اللهُ المُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ انْهَزَمَ أَبُو مَعْمَرٍ فِيهِمْ، فَلَقِيَهُ أَبُو سُفْيَانَ وَإِحْدَى نَعْلَيْهِ بِيَدِهِ، وَالْأُخْرَى فِي رِجْلِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا مَعْمَرٍ، مَا حَالُ النَّاسِ؟

قَالَ انْهَزَمُوا.

قَالَ: فَمَا لَكَ إِحْدَى نَعْلَيْكَ فِي يَدِكَ وَالْأُخْرَى فِي رِجْلِكَ؟

فَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ: مَا شَعَرْتُ إِلَّا أَنَّهُمَا فِي رِجْلِي، فَعَلِمُوا يَوْمَئِذٍ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ قَلْبَانِ لَمَا نَـسِيَ نَعْلَهُ فِي يَدِهِ. /كذا في تفسير البغوي/

ثانياً: هَذِهِ الآيَةُ في سُورَةِ الأَحْزَابِ كَانَت مُقَدِّمَةً لِأَمْرٍ مَعْنَوِيٍّ، فَوَطَّأَ لَهُ بِأَمْرٍ حِـسِّيٍّ، فَقَالَ تعالى: ﴿مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾. وَهَذَا أَمْرٌ حِـسِّيٌّ مَعْرُوفٌ، فَكَمَا لَا يَكُونُ للشَّخْصِ الوَاحِدِ قَلْبَانِ في جَوْفِهِ، لَا تَصِيرُ زَوْجَتُهُ التي ظَاهَرَ مِنْهَا بِقَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أُمَّاً لَهُ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ﴾. لِأَنَّ الأُمَّهَاتِ هُنَّ: ﴿اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ﴾.

وَكَذَلِكَ لَا يَصِيرُ الدَّعِيُّ وَلَدَاً للرَّجُلِ إِذَا تَبَنَّاهُ فَدَعَاهُ ابْنَاً لَهُ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ﴾.

وبناء على ذلك:

فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾. يَعْنِي: جَعَلَ قَلْبَاً وَاحِدَاً لِكُلِّ رَجُلٍ وَلِكُلِّ امْرَأَةٍ، وَمَا دَامَ لَكَ قَلْبٌ وَاحِدٌ فَيَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ لَا تَتَّجِهَ إِلَّا إلى إِلَهٍ وَاحِدٍ، وَأَنْ تَتَّبِعَ نَهْجَاً وَاحِدَاً.

وَالقَلْبُ الوَاحِدُ إِذَا اشْتَغَلَ بِـشَيْءٍ شُغِلَ عَمَّا سِوَاهُ، لِذَا مَنْ تَوَجَّهَ إلى شَيْءٍ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْشَغِلَ بِشَيْءٍ آخَرَ. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
2216 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  التفسير وعلوم القرآن

 السؤال :
 2025-05-07
 137
مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ مَا مِنْ عَبْدٍ خَلَقَهُ اللهُ تَعَالَى إِلَّا أَسْبَغَ عَلَيْهِ نِعَمًا لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، حَتَّى وَلَو كَانَ كَافِرًا، فَإِذَا كَانَ هَذَا الكَلَامُ صَحِيحًا فَكَيْفَ نَفْهَمُ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الفَاتِحَةِ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾؟ هَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ نَطْلُبَ مِنَ اللهِ تَعَالَى أَنْ يَهْدِيَنَا طَرِيقَ الكُفَّارِ؟
رقم الفتوى : 13617
 السؤال :
 2024-08-01
 1125
مَا تَفْسِيرُ الآيَتَيْنِ الكَرِيمَتَيْنِ: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾؟
رقم الفتوى : 13237
 السؤال :
 2024-07-25
 538
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾؟
رقم الفتوى : 13230
 السؤال :
 2024-07-25
 757
مَا دَامَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ فَتَحَ بَابَ التَّوْبَةِ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ، فَكَيْفَ نُوَفِّقُ بَيْنَ هَذَا، وَبَيْنَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ﴾؟
رقم الفتوى : 13229
 السؤال :
 2024-07-25
 500
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾؟
رقم الفتوى : 13228
 السؤال :
 2023-08-07
 672
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾؟
رقم الفتوى : 12669

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3235
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424747855
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :