الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَعِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ لَا تَسْتَحِقُّ الزَّوْجَةُ النَّفَقَةَ إِلَّا إِذَا مَكَّنَتْ زَوْجَهَا مِنْ نَفْسِهَا بَعْدَ العَقْدِ الصَّحِيحِ، لِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَقَدَ عَلَى السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَلَكِنْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا إِلَّا بَعْدَ أَنْ دَخَلَ بِهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ إِنَّمَا تَجِبُ بِالتَّمْكِينِ لَا بِالعَقْدِ، إِذْ لَو كَانَتْ حَقَّاً لَهَا لَمَا مَنَعَهَا إِيَّاهُ، وَلَو كَانَ أَنْفَقَ عَلَيْهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَنُقِلَ إِلَيْنَا، وَلَمَّا لَمْ يُنْقَلْ أنَّه أَنْفَقَ عَلَيْهَا دَلَّ هَذَا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ.
وَذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ إلى وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجِ بِمُجَرَّدِ العَقْدِ.
وبناء على ذلك:
فَالزَّوْجَةُ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ بَعْدَ العَقْدِ عَلَيْهَا وَقَبْلَ الدُّخُولِ، عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ، وَأَمَّا ذَكَرَهُ فُقَهَاءُ الحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ بِمُجَرَّدِ العَقْدِ صَحِيحٌ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تُمَكِّنَ نَفْسَهَا للزَّوْجِ مَتَى طَلَبَهَا، إِلَّا لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ.
وَمَا دَامَ العُرْفُ السَائِدُ اليَوْمَ أَنَّ المَرْأَةَ لَا تُمَكِّنُ نَفْسَهَا لِزَوْجِهَا إِلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ، فَلَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ عِنْدَ عَامَّةِ الفُقَهَاءِ. هذا، والله تعالى أعلم.