الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدِ اخْتَلَفَ الفُقَهَاءُ في وُجُوبِ زَكَاةِ العَسَلِ.
ذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ وَالحَنَابِلَةُ إلى وُجُوبِ العُشْرِ في العَسَلِ، لِمَا رواه البيهقي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ، أَنْ يُؤْخَذَ مِنَ الْعَسَلِ الْعُشْرُ.
ولما رواه ابن خزيمة عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ بَنِي شَبَابَةَ بَطْنٌ مِنْ فَهْمٍ، كَانُوا يُؤَدُّونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَسَلٍ لَهُمُ الْـعُشْرَ، مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةٌ، وَكَانَ يَحْمِي لَهُمْ وَادِيَيْنِ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، اسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ سُفْيَانَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيَّ، فَأَبَوْا أَنْ يُؤَدُّوا إِلَيْهِ شَيْئَاً، وَقَالُوا: إِنَّمَا ذَاكَ شَيْءٌ كُنَّا نُؤَدِّيهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَكَتَبَ سُفْيَانُ إِلَى عُمَرَ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِي اللهُ عَنْهُ: إِنَّمَا النَّحْلُ ذُبَابُ غَيْثٍ يَسُوقُهُ اللهُ رِزْقَاً إِلَى مَنْ يَشَاءُ، فَإِنْ أَدُّوا إِلَيْكَ مَا كَانُوا يُؤَدُّونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَاحْمِ لَهُمْ وَاديِيَهُمْ، وَإِلَّا فَخَلِّ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُمَا فَأَدُّوا إِلَيْهِ مَا كَانُوا يُؤَدُّونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَحَمَى لَهُمْ وَادِيَيْهِمْ.
وروى ابن ماجه عَنْ أَبِي سَيَّارَةَ المُتَعِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي نَحْلَاً، قَالَ: «أَدِّ الْعُشْرَ».
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، احْمِهَا لِي، فَحَمَاهَا لِي.
وَاشْتَرَطَ الحَنَفِيَّةُ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ النَّحْلُ في أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ، أَمَّا إِذَا كَانَ النَّحْلُ في أَرْضِ مَفَازَةٍ، أَو جَبَلٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، إِلَّا إِنْ حَفِظَهُ الإِمَامُ مِنَ اللُّصُوصِ وَقُطَّاعِ الطُّرُقِ.
وَلَمْ يَشْتَرِطِ الحَنَفِيَّةُ نِصَابَاً في العَسَلِ، بَلْ قَالُوا: تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَلِيلَاً كَانَ أَو كَثِيرَاً.
وبناء على ذلك:
فَعِنْدَ الحَنَفِيَّةِ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ في قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، إِذَا كَانَ في أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ، وَإِلَّا فَلَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ.
وَإِذَا كَانَ في أَرْضٍ غَيْرِ خَرَاجِيَّةٍ فَلَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |