الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَإِنَّ خَيْرَ مَا يُفَسِّرُ القُرْآنَ القُرْآنُ، ثُمَّ حَدِيثُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَقَدْ أَخْرَجَ الإمام مسلم وأبو داود والنسائي، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا، فَقُلْنَا: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: «أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ» فَقَرَأَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾.
ثُمَّ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟».
فَقُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: «فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، هُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ، فَيُخْتَلَجُ الْعَبْدُ مِنْهُمْ، فَأَقُولُ: رَبِّ، إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي فَيَقُولُ: مَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَتْ بَعْدَكَ».
وَأَخْرَجَ ابن ماجه عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْكَوْثَرُ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ، حَافَّتَاهُ مِنْ ذَهَبٍ، مَجْرَاهُ عَلَى الْيَاقُوتِ وَالدُّرِّ، تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، وَمَاؤُهُ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ».
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَيَجِبُ عَلَى المُسْلِمِ قَبْلَ أَنْ يُفَسِّرَ كَلِمَاتِ القُرْآنِ أَنْ يَنْظُرَ إلى تَفْسِيرِهَا مِنْ خِلَالِ القُرْآنِ، ثُمَّ مِنْ سُنَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِ المُفَسِّرِينَ.
وَإِذَا كَانَ أَصْحَابُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا سُئِلُوا عَنِ الكَوْثَرِ، قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَنَحْنُ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَوْلَى أَنْ نُرْجِعَ الأَمْرَ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَرَّفَنَا مَا هُوَ الكَوْثَرُ؟
وَمَا يَنْبَغِي عَلَى المُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ عَاطِفِيًّا في تَفْسِيرِهِ، وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سُلْطَانُ الحُبِّ عَلَى القَلْبِ هُوَ المُوَجِّهُ للعَبْدِ في تَفْسِيرِ القُرْآنِ العَظِيمِ.
فَلَوْ قُلْنَا: مِنْ هَذَا الخَيْرِ الكَثِيرِ الذي أُعْطِيَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ السَّيِّدَةُ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَلَا حَرَجَ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |