الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ بِأَنَّ الأَذَانَ مِنْ خَيْرِ الأَعْمَالِ التي تُقَرِّبُ إلى اللهِ تعالى، وَفِيهِ فَضْلٌ كَبِيرٌ، وَأَجْرٌ عَظِيمٌ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: عَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «المُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقَاً يَوْمَ القِيَامَةِ».
وَمَعَ عِظَمِ أَجْرِ الأَذَانِ لَمْ يَتَوَلَّ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَلَا الخُلَفَاءُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مِنْ بَعْدِهِ الأَذَانَ، وَذَلِكَ لِضِيقِ وَقْتِهِمْ.
وَيَقُولُ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَوْلَا الخِلَافَةُ لَأَذَّنْتُ.
وَذَكَرَ بَعْضُ الفُقَهَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُمْ بِمُهِمَّةِ الأَذَانِ، وَلَا خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ، وَالسَّبَبُ في ذَلِكَ ضِيقُ وَقْتِهِمْ عَنْهُ.
وَقَالَ المَوَّاقُ: إِنَّمَا تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأَذَانَ، لِأَنَّهُ لَو قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ؛ وَلَمْ يُعَجِّلُوا لَحِقَتْهُمُ العُقُوبَةُ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
وَيَقُولُ سَيِّدُنَا عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إِنَّمَا لَمْ يُؤَذِّنْ لِأَنَّهُ كَانَ إِذَا عَمِلَ عَمَلَاً أَثْبَتَهُ، أَيْ جَعَلَهُ دَائِمَاً، وَكَانَ لَا يَتَفَرَّغُ لِذَلِكَ، لِاشْتِغَالِهِ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَمَا ثَبَتَ بِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَذَنَ، وَذَلِكَ لِانْشِغَالِهِ بِأَعْبَاءِ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، وَلِكَوْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلَ عَمَلَاً أَثْبَتَهُ، وَكَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، لِذَلِكَ لَمْ يُؤَذِّنْ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |