الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَلَا صِحَّةَ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ، لِأَنَّ فِيهَا كَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهَا سُوءُ أَدَبٍ مَعَ حَضْرَةِ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ.
كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ: وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لِي غَضِبَ حَبِيبُكَ؛ وَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْضَبُ لِغَضَبِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَيَرْضَى لِرِضَاهُ؛ أَمَا دَعَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ طُرِدَ مِنَ الحَوْضِ، لِأَنَّهُمْ أَحْدَثُوا وَغَيَّرُوا وَبَدَّلُوا، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ.
وَكَيْفَ يَجْتَرِئُ الإِمَامُ الأَصْمَعِيُّ أَنْ يَتَأَلَّى عَلَى اللهِ تَعَالَى لِيَقُولَ لِهَذَا الأَعْرَابِيِّ: يَا أَخَا العَرَبِ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ غَفَرَ لَكَ، وَأَعْتَقَكَ بِحُسْنِ هَذَا السُّؤَالِ؟
فَمَعَاذَ اللهِ تَعَالَى أَنْ يَجْتَرِئَ الإِمَامُ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى مَا أَطْلَعَ أَحَدًا عَلَى غَيْبِهِ إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ بَاطِلَةٌ، لَا صِحَّةَ لَهَا، وَكَذَلِكَ تُرْوَى عَنْ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ زَارَ قَبْرَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ أَعْرَابِيًّا يَقِفُ أَمَامَ القَبْرِ وَيَدْعُو، فَوَقَفَ عُمَرُ خَلْفَهُ، وَأَنْصَتَ إِلَيْهِ، يَقُولُ الأَعْرَابِيُّ: اللَّهُمَّ هَذَا حَبِيبُكَ، وَأَنَا عَبْدُكَ، وَالشَّيْطَانُ عَدُوُّكَ؛ فَإِنْ غَفَرْتَ لِي؛ سُرَّ حَبِيبُكَ، وَفَازَ عَبْدُكَ، وَحَزِنَ عَدُوُّكَ، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لِي، حَزِنَ حَبِيبُكَ، وَرَضِيَ عَدُوُّكَ، وَهَلَكَ عَبْدُكَ، وَأَنْتَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ تُحْزِنَ حَبِيبَكَ، وَتُرْضِيَ عَدُوَّكَ، وَتُهْلِكَ عَبْدَكَ؛ اللَّهُمَّ إِنَّ كِرَامَ العَرَبِ إِذَا مَاتَ فِيهِمْ سَيِّدٌ أَعْتَقُوا عَبِيدَهُمْ عِنْدَ قَبْرِهِ، وَهَذَا سَيِّدُ العَالَمِينَ مَاتَ، فَأَعْتِقْنِي مِنَ النَّارِ عِنْدَ قَبْرِهِ.
فَنَادَى عُمَرُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَدْعُوكَ بِمَا دَعَا بِهِ هَذَا الأَعْرَابِيُّ، وَبَكَى عِنْدَ القَبْرِ حَتَّى ابْتَلَّتْ لِحْيَتُهُ.
كَذَلِكَ لَا صِحَّةَ لَهَا، وَسَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَوْقَ هَذَا بِكَثِيرٍ، وَحَاشَاهُ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَدْعُوكَ بِمَا دَعَا بِهِ هَذَا الأَعْرَابِيُّ؛ فَهُوَ العَارِفُ بِاللهِ تَعَالَى. هذا، والله تعالى أعلم.