الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ رَوَى الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعَاً مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعَاً مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعَاً مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعَاً مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعَاً مِنْ زَبِيبٍ.
وَقَدْ خَصَّ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الأَصْنَافَ بِاعْتِبَارِهَا غَالِبَ قُوتِ النَّاسِ في ذَلِكَ الوَقْتِ.
ثُمَّ بَيَّنَ لَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الغَايَةَ وَالهَدَفَ من صَدَقَةِ الفِطْرِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا اليَوْمِ» رواه الدارقطني عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
وفي رِوَايَةٍ للبيهقي: «أَغْنُوهُمْ عَنْ طَوَافِ هَذَا اليَوْمِ».
فَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ لَنَا النَّوْعَ، وَذَكَرَ لَنَا الغَايَةَ؛ مِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ قَالَ فُقَهَاءُ الحَنَفِيَّةِ بِجَوَازِ إِخْرَاجِ قِيمَةِ صَدَقَةِ الفِطْرِ، لِأَنَّ العِلَّةَ مِنْ صَدَقَةِ الفِطْرِ الإِغْنَاءُ، وَقَالُوا: هِيَ الأَفْضَلُ، وَفِيهَا عَوْنٌ للفَقِيرِ لِدَفْعِ حَاجَاتِهِ، لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلى غَيْرِ الحِنْطَةِ.
روى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ تُعْطِيَ الدَّرَاهِمَ فِي صَدَقَةِ الفِطْرِ.
وروى كَذَلِكَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ زُهَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يَقُولُ: أَدْرَكْتُهُمْ وَهُمْ يُعْطُونَ فِي صَدَقَةِ رَمَضَانَ الدَّرَاهِمَ بِقِيمَةِ الطَّعَامِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَيَجُوزُ إِخْرَاجُ القِيمَةِ في زَكَاةِ الفِطْرِ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الإِمَامُ البُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في صَحِيحِهِ، وَعَقَدَ في كِتَابِ الزَّكَاةِ تَرْجَمَةً بِعُنْوَانِ (بَابُ العَرْضِ في الزَّكَاةِ).
وَهَذَا مَا عَمِلَ بِهِ بَعْضُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ كَسَيِّدِنَا عُمَرَ وَوَلَدِهِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.
وَبِهِ قَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ، وَالإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ؛ هذا أولاً.
ثانياً: بِإِخْرَاجِ القِيمَةِ في زَكَاةِ الفِطْرِ يَتَحَقَّقُ الهَدَفُ مِنْ فَرْضِيَّتِهَا، وَهُوَ إِغْنَاءُ الفَقِيرِ، وَبِهَا يُمْكِنُهُ قَضَاءُ حَوَائِجِهِ.
ثالثاً: في إِخْرَاجِ القِيمَةِ حِمَايَةٌ للفُقَرَاءِ مِنَ اسْتِغْلَالِ التُّجَّارِ.
وَخِتَامَاً: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُقَلِّدَ الإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى بِإِخْرَاجِ القِيمَةِ فَلَا حَرَجَ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ قُوتِ البَلَدِ فَلَا حَرَجَ، وَالكُلُّ عَلَى صَوَابٍ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |