الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ جَاءَ في الاخْتِيَارِ لِتَعْلِيلِ المُخْتَارِ في بَابِ الرِّبَا: (وَعِلَّتُهُ ـ أَيْ عِلَّةُ الرِّبَا ـ عِنْدَنَا الكَيْلُ أَوِ الوَزْنُ مَعَ الجِنْسِ، فَإِذَا وُجِدَا حُرِمَ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ، وَإِذَا عُدِمَا حَلَّا، وَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا خَاصَّةً حَلَّ التَّفَاضُلُ وَحُرِمَ النَّسَاءُ، ثُمَّ قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ).
وَجَاءَ في المَبْسُوطِ أَيْضًا: (وَلَا خَيْرَ فِي الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ إِلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ مَا فِي الزَّيْتُونِ أَقَلُّ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ).
ثُمَّ قَالَ: (وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي الزَّيْتُونِ مِنْ الزَّيْتِ أَقَلُّ مِنْ الْمُنْفَصِلِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، لأَنَّ الْمِثْلَ يَصِيرُ بِإِزَاءِ الْمِثْلِ، والبَاقِي مِنَ الزَيت بِإِزَاءِ التُّفْلِ فَلا يَظْهَرُ الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ المُقَابَلَةِ بِهَذَا الطَّرِيقِ).
وَجَاءَ في المَجْمُوعِ: (بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالحِنْطَةِ لَا يَجُوزُ قَالَ: وَكَذَلِكَ الزَّيْتُ بِالزَّيْتُونِ).
وَكَذَلِكَ عِنْدَ المَالِكِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ، جَاءَ في الكَافِي: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ أَصْلِهِ بِعَصِيرِهِ كَالزَّيْتُونِ بِزَيْتِهِ وَالمُسَمَّمِ بِالشَّيْرَجِ وَالعِنَبِ بِعَصِيرِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ التَّمَاثُلُ بَيْنَ العَصِيرِ وَمَا فِي أَصْلِهِ مِنْهُ).
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الزَّيْتُونِ بِبَعْضِ عَصِيرِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ، لِعِلَّةِ الرِّبَا، وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (إِنَّ آخِرَ مَا نَزَلَتْ آيَةُ الرِّبَا، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ وَلَمْ يُفَسِّرْهَا لَنَا، فَدَعُوا الرِّبَا وَالرِّيبَةَ) رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ.
وَالرِّيبَةُ شُبْهَةُ الرِّبَا.
وَيَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كُنَّا نَدَعُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الحَلَالِ مَخَافَةَ الحَرَامِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |