الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: الزِّنَا مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَمِنَ الجَرَائمِ الاجْتِمَاعِيَّةِ الفَظِيعَةِ الشَّنِيعَةِ، وَهُوَ فَاحِشَةٌ بِنَصِّ القُرْآنِ، وَعَاقِبَةُ الزَّانِي وَخِيمَةٌ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلَاً﴾. وَقَالَ تعالى في صِفَاتِ عِبَادِ الرَّحْمَنِ: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهَاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامَاً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانَاً﴾.
وَإِيمَانُ الزَّانِي عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
ثانياً: رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ فَتَحَ بَابَ التَّوْبَةِ أَمَامَ جَمِيعِ العُصَاةِ، مَهْمَا كَانَتْ ذُنُوبُهُمْ وَمَعَاصِيهِمْ، فَقَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحَاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعَاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.
وَمَنْ حَقَّقَ شُرُوطَ التَّوْبَةِ قَبِلَ اللهُ تعالى تَوْبَتَهُ، وَجَعَلَ سَيِّئَاتِهِ حَسَنَاتٍ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَإِذَا تَابَ الزَّانِيَانِ، وَصَدَقَا في تَوْبَتِهِمَا، وَتَحَقَّقَتْ شُرُوطُ تَوْبَتِهِمَا، وَرَجَعَا إلى اللهِ تعالى تَائِبَيْنِ، وَأَصْلَحَا مَا أَفْسَدَا، فَإِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ، وَيَجُوزُ زَوَاجُ الزَّانِي مِنَ الزَّانِيَةِ إِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ.
سُئِلَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَجُلٍ زَنَى بِامْرَأَةٍ، ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَالَ: مَا مِنْ تَوْبَةٍ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، خَرَجَا مِنْ سِفَاحٍ إلى نِكَاحٍ. رواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ في المُصَنَّفِ. هذا، والله تعالى أعلم.