الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ مُتَابَعَتُهَا لَهُ في المَسْكَنِ، فَإِذَا كَانَ الحَقُّ جَلَّ جَلَالُهُ أَوْجَبَ عَلَى الزَّوْجِ تَأْمِينَ السَّكَنِ لِزَوْجَتِهِ، وَذَلِكَ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ﴾. كَذَلِكَ أَوْجَبَ الحَقُّ تعالى عَلَى الزَّوْجَةِ أَنْ تُتَابِعَ زَوْجَهَا في المَسْكَنِ، وَهَذَا أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ لَا غِنَى عَنْهُ لِاسْتِقَامَةِ الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ، سِيَّمَا وَأَنَّ الزَّوْجَ مُكَلَّفٌ بِالإِنْفَاقِ عَلَى الأُسْرَةِ، وَأَنَّ الزَّوَاجَ يَقُومُ عَلَى رُكْنِ السَّكِينَةِ النَّفْسِيَّةِ بَيْنَ كُلِّ زَوْجٍ وَزَوْجَتِهِ.
ثانياً: جَعَلَ اللهُ تعالى الرَّجُلَ قَوَّامَاً عَلَى المَرْأَةِ، بِالأَمْرِ وَالتَّوْجِيهِ وَالرِّعَايَةِ، كَمَا يَقُومُ الوُلَاةُ عَلَى الرَّعِيَّةِ، بِمَا خَصَّ اللهُ تعالى بِهِ الرَّجُلَ مِنْ خَصَائِصَ جِسْمِيَّةٍ وَعَقْلِيَّةٍ، وَبِمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ مِنْ وَاجِبَاتٍ مَالِيَّةٍ، قَالَ تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾.
فَالرَّجُلُ هُوَ السَّيِّدُ الذي يَجِبُ أَنْ يُطَاعَ في طَاعَةِ اللهِ تعالى، وَالمَرْأَةُ المُخَالِفَةُ لِأَمْرِ زَوْجِهَا في غَيْرِ مَعْصِيَةٍ هِيَ امْرَأَةٌ نَاشِزَةٌ، وَلَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا قَوْلُهُ تعالى: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ﴾. وَلَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ مَا يَكْنِزُ الْمَرْءُ؟ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ» رواه أبو داود عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَيَجِبُ عَلَى المَرْأَةِ طَاعَةُ زَوْجِهَا، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهَا مُتَابَعَتُهُ في السَّكَنِ، وَخَاصَّةً عِنْدَمَا يَشْعُرُ الزَّوْجُ بِخُطُورَةِ ضَيَاعِ الأَوْلَادِ عَقِيدَةً وَسُلُوكَاً وَأَخْلَاقَاً؛ فَإِنْ أَبَتْ فَهِيَ امْرَأَةٌ نَاشِزَةٌ، عَاصِيَةٌ لِأَمْرِ رَبِّهَا، وَرُبَّمَا يُؤَدِّي هَذَا الأَمْرُ إلى أَنْ يَلْعَنَهَا مَنْ في السَّمَاءِ، وَخَاصَّةً إِذَا غَضِبَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا.
وَمِنْ حَقِّ الزَّوْجِ أَنْ يَغْضَبَ للهِ تعالى إِذَا رَأَى الخَطَرَ يُدَاهِمُ أَبْنَاءَهُ الذينَ سَيُسْأَلُ عَنْهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، كَمَا سَيُسْأَلُ عَنْ زَوْجَتِهِ، أَلمْ يَقُلِ المَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾؟
أَلَمْ يَقُلْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» وَعَدَّ مِنْهُمْ: «وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا»؟ رواه الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
فَيَجِبُ عَلَى المَرْأَةِ أَنْ تُسَارِعَ إلى امْتِثَالِ أَمْرِ زَوْجِهَا، وَأَنْ تَعُودَ إلى بِلَادِهَا، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَتْ مِنْ أَهْلِ بِلَادِ الشَّامِ المُبَارَكَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |