﴿مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ﴾

11742 - ﴿مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ﴾

24-01-2022 504 مشاهدة
 السؤال :
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ * فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ﴾؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 11742
 2022-01-24

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَفِي هَذِهِ الآيَاتِ الكَرِيمَاتِ يُوَجِّهُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى أَمْرَهُ إلى هَؤُلَاءِ المُعَانِدِينَ، يَدْعُوهُمْ إلى الاسْتِجَابَةِ للحَقِّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمُ القِيَامَةِ الذي لَا شَكَّ في مَجِيئِهِ، فَيَقُولُ: ﴿اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ﴾.

أَيْ: اسْتَجِيبُوا ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ لِدَعْوَةِ الحَقِّ التي دَعَاكُمْ إِلَيْهَا رَبُّكُمْ وَخَالِقُكُمْ، عَنْ طَرِيقِ الرَّسُولِ الذي أَرْسَلَهُ سُبْحَانَهُ إِلَيْكُمْ، وَلْتَكُنِ اسْتِجَابَتُكُمْ عَاجِلَةً في هَذِهِ الدُّنْيَا، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمُ القِيَامَةِ الذي لَنْ يَسْتَطِيعَ أَحَدٌ أَنْ يَرُدَّهُ أَو يَدْفَعَهُ، بَعْدَ أَنْ حَكَمَ سُبْحَانَهُ بِمَجِيئِهِ، وَجَعَلَ لَهُ أَجَلًا مُحَدَّدًا لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ.

ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ حَالَهُمْ عِنْدَ مَجِيءِ هَذَا اليَوْمِ فَقَالَ: ﴿مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ﴾ وَالمَلْجَأُ: هُوَ المَكَانُ الذي يَلْجَأُ إِلَيْهِ الإِنْسَانُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالكُرُوبِ لِاتِّقَائِهَا، وَالنَّكِيرُ بِمَعْنَى الإِنْكَارِ.

أَيْ: لَيْسَ لَكُمْ في هَذَا اليَوْمِ مَلْجَأٌ تَلْتَجِئُونَ إِلَيْهِ مِنَ العَذَابِ، وَلَيْسَ لَكُمُ القُدْرَةُ عَلَى إِنْكَارِ شَيْءٍ مِمَّا اجْتَرَحْتُمُوهُ في الدُّنْيَا مِنَ الكُفْرِ وَالعِصْيَانِ، لِأَنَّهُ مُسَجَّلٌ عَلَيْكُمْ، فَمَا نَزَلَ بِكُمْ مِنْ عَذَابٍ بِسَبَبِ كُفْرِكُمْ وَإِعْرَاضِكُمْ عَنِ الحَقِّ، هُوَ شَيْءٍ تَسْتَحِقُّونَهُ، وَلَنْ تَجِدُوا يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَكُمْ لِهَذَا العَذَابِ.

قَالَ الآلُوسِيُّ: قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ﴾ أَيْ: إِنْكَارٍ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرُ أَنْكَرَ عَلَى غَيْرِ القِيَاسِ.

وَنَفَى ذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِ تعالى حِكَايَةً عَنْهُمْ: ﴿وَاللهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ تَنْزِيلًا لِمَا يَقَعُ مِنْ إِنْكَارِهِمْ مَنْزِلَةَ العَدَمِ، لِعَدَمِ نَفْعِهِ وَقِيَامِ الحُجَّةِ، وَشَهَادَةِ الجَوَارِحِ عَلَيْهِمْ، أَو يُقَالُ: إِنَّ الأَمْرَيْنِ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الأَحْوَالِ وَالمَوَاقِفِ.

ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ وَظِيفَةَ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا البَلاغُ﴾.

أَيْ: فَإِنْ أَعْرَضَ هَؤُلَاءِ الظَّالِمُونَ عَنْ دَعْوَتِكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ الكَرِيمُ، فَلَا تَحْزَنْ لِذَلِكَ، فَإِنَّنَا مَا أَرْسَلْنَاكَ لِتَكُونَ رَقِيبًا عَلَى أَعْمَالِهِمْ، وَمُكْرِهًا لَهُمْ عَلَى الإِيمَانِ، وَإِنَّمَا أَرْسَلْنَاكَ لِتَبْلِيغِ دَعْوَةِ رَبِّكَ إِلَيْهِمْ، وَمَنْ شَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ.

وَالمُرَادُ بِالإِنْسَانِ في قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا﴾ جِنْسُهُ الشَّامِلُ للجَمِيعِ، وَالمُرَادُ بِالرَّحْمَةِ: مَا يَشْمَلُ الغِنَى وَالصِّحَّةَ وَغَيْرَهُمَا مِنَ النِّعَمِ.

أَيْ: وَإِنَّا إِذَا أَعْطَيْنَا وَمَنَحْنَا الإِنْسَانَ بِفَضْلِنَا وَكَرَمِنَا نِعْمَةً كَالمَالِ وَالوَلَدِ وَالجَاهِ، فَرِحَ بِهَا وَانْشَرَحَ لَهَا.

﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ﴾ أَيْ: النَّاسَ سَيِّئَةٌ مِنْ بَلَاءٍ أَو مَرَضٍ أَو خَوْفٍ أَو فَقْرٍ ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ أَيْ: بِسَبَبِ مَا اكْتَسَبَتْهُ أَيْدِيهِمْ مِنَ المَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتِ حَزِنُوا وَامْتَعَضُوا.

وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ﴾ تَعْلِيلٌ لِجَوَابِ الشَّرْطِ المَحْذُوفِ، أَيْ: وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ نَسُوا نِعَمَنَا وَقَنَطُوا، فَإِنَّ الإِنْسَانَ الكَافِرَ كَثِيرُ الكُفْرِ وَالجُحُودِ لِنِعَمِ خَالِقِهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَشْكُرُ رَبَّهُ عِنْدَ النِّعَمِ، وَيَصْبِرُ عِنْدَ البَلَاءِ وَالنِّقَمِ. هذا، والله تعالى أعلم.

504 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  التفسير وعلوم القرآن

 السؤال :
 2023-08-07
 224
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾؟
رقم الفتوى : 12669
 السؤال :
 2023-03-23
 1431
مَا هِيَ النَّارُ الكُبْرَى المُشَارُ إِلَيْهَا في قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى* ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾؟
رقم الفتوى : 12465
 السؤال :
 2023-03-23
 620
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾؟
رقم الفتوى : 12464
 السؤال :
 2023-01-30
 1672
مَا هُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾؟
رقم الفتوى : 12370
 السؤال :
 2022-08-03
 1429
مَا المَقْصُودُ بِالخَيْطِ الأَبْيَضِ وَالخَيْطِ الأَسْوَدِ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾؟
رقم الفتوى : 12087
 السؤال :
 2022-07-20
 949
يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾. كَيْفَ يَكُونُ الإِيذَاءُ للهِ تعالى، وَحَاشَاهُ أَنْ يَصِلَ لَهُ ضُرٌّ مِنَ الخَلْقِ؟
رقم الفتوى : 12068

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3161
المكتبة الصوتية 4797
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413916849
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :