الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أَوَّلًا: فَالنُّفُوسُ تُحِبُّ بِشَكْلٍ عَامٍّ جَمَالَ الخَلْقِ، وَجَمَالَ الخُلُقِ، وَتُحِبُّ مَنْ يَجْلِبُ لَهَا النَّفْعَ، وَيَدْفَعُ عَنْهَا الضُّرَّ؛ وَهَذِهِ الأُمُورُ الأَرْبَعَةُ جُمِعَتْ في شَخْصِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فهُوَ أَجْمَلُ العَالَمِينَ خَلْقًا، وَصَدَقَ سَيِّدُنَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عِنْدَمَا قَالَ:
وَأَجْمَلَ مِنْكَ لَمْ تَرَ قَطُّ عَيْنِي *** وَأَفْضَلَ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النِّسَاءُ
خُـلِقْتَ مُبَرَّأً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ *** كَأَنَّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَمَا تَـشَاءُ
أَمَّا جَمَالُ خُلُقِهِ، فَحَدِّثْ عَنْهُ وَلَا حَرَجَ، وَخَاصَّةً بَعْدَ قَوْلِهِ تعالى في حَقِّهِ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. فَمَا رَأَتِ البَشَرِيَّةُ وَلَنْ تَرَى كَمَالَ خُلُقٍ في أَحَدٍ كَمَا رَأَتْهُ في سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أَمَّا مِنْ حَيْثُ جَلْبُ النَّفْعِ، وَدَفْعُ الضُّرِّ، فَمَا تَرَكَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَنَا أَمْرًا يَجْلِبُ لَنَا نَفْعًا، أَو يَدْفَعُ عَنَّا ضُرًّا، إِلَّا وَدَلَّنَا عَلَيْهِ.
رَوَى البَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإِيمَانِ وَالبَغَوِيُّ في شَرْحِ السُّنَّةِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، لَيْسَ مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ، إِلَّا قَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ، وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، وَإِنَّ الرُّوحَ الأَمِينَ نَفَثَ فِي رُوعِي، أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللهَ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلَا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعَاصِي اللهِ، فَإِنَّهُ لَا يُدْرَكُ مَا عِنْدَ اللهِ إِلَّا بِطَاعَتِهِ».
ثَانِيًا: فَضْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا أَعْظَمُ مِنْ فَضْلِ الأَبَوَيْنِ، وَأَعْظَمُ مِنْ فَضْلِ النَّاسِ أَجْمَعِينَ، فَكُلُّ خَيْرٍ هُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَصْدَرُهُ، بَلْ هُوَ أَوْلَى بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾.
وَكَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾.
وَقَالَ عَنْ ذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» رَوَاهَ الحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
ثَالِثًا: امْتِثَالُ أَمْرِهِ، وَاجْتِنَابُ نَهْيِهِ، سِرُّ سَعَادَتِنَا في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، رَوَى الحَاكِمُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.
فَقَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: «إِنِّي رَأَيْتُ فِيَ الْمَنَامِ كَأَنَّ جِبْرِيلَ عِنْدَ رَأْسِي وَمِيكَائِيلَ عِنْدَ رِجْلَيَّ، يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اضْرِبْ لَهُ مِثْلًا.
فَقَالَ لَهُ: اسْمَعْ سَمِعَهُ أُذُنُكَ، وَاعْقِلْ عَقَلَ قَلْبُكَ، إِنَّمَا مَثَلُكَ وَمَثَلُ أُمَّتِكَ، كَمَثَلِ مَلِكٍ اتَّخَذَ دَارًا، ثُمَّ بَنَى فِيهَا بَيْتًا، ثُمَّ جَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً، ثُمَّ بَعَثَ رَسُولًا يَدْعُو النَّاسَ إِلَى طَعَامِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَ الرَّسُولَ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَ، فَاللهُ هُوَ الْمَلِكُ، وَالدَّارُ الْإِسْلَامُ، وَالْبَيْتُ الْجَنَّةُ، وَأَنْتَ يَا مُحَمَّدُ الرَّسُولُ مَنْ أَجَابَكَ دَخَلَ الْإِسْلَامَ، وَمَنْ دَخَلَ الْإِسْلَامَ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ أَكَلَ مِنْهَا».
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُحِبَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ اللهَ تعالى أَمَرَنَا بِذَلِكَ، وَحَتَّى نَجِدَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ، رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ».
وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَجْمَلُ العَالَمِينَ خَلْقًا وَخُلُقًا، وَهُوَ الذي جَلَبَ لَنَا كُلَّ نَفْعٍ، وَدَفَعَ عَنَّا كُلَّ ضُرٍّ، دُنْيَا وَأُخْرَى.
وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا.
اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِصِدْقِ مَحَبَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.
