الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَالسَّيِّدَةُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا، ورَضِيَ اللهُ عَنَّا بِسِرِّهَا وَمَقَامِهَا عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَكْفِيهَا مَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الَّذِي رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ، أَوْ طَعَامٌ، أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ، وَلَا نَصَبَ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ خَدِيجَةُ وَقَالَ: إِنَّ اللهَ يُقْرِئُ خَدِيجَةَ السَّلَامَ، فَقَالَتْ: إِنَّ اللهَ هُوَ السَّلَامُ وَعَلَى جِبْرِيلَ السَّلَامُ، وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ.
وَيَكْفِيهَا قَوْلُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الَّذِي مَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الَّذِي رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا، فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ، قَالَتْ: فَغِرْتُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ (أَيْ: سَقَطَتْ أَسْنَانُهَا لِكِبَرِ سِنِّهَا) قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا.
قَالَ: «مَا أَبْدَلَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِيَ النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ».
السَّيِّدَةُ خَدِيجَةُ الكُبْرَى رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا، هِيَ الشَّرِيفَةُ، الكَرِيمَةُ، الطَّاهِرَةُ، الطَّيِّبَةُ، الحَسِيبَةُ، النَّسِيبَةُ، لَا تُدَانِيهَا امْرَأَةٌ مَهْمَا عَلَتْ، فَضْلًا عَنْ أَنْ تَسْبِقَهَا، هِيَ المُسْلِمَةُ الأُولَى، وَالصِّدِّيقَةُ الأُولَى، وَالحَبِيبَةُ الأُولَى، وَالمُجَاهِدَةُ الأُولَى، وَالوَزِيرَةُ الأُولَى، هِيَ الَّتِي هَيَّأَتْهَا العِنَايَةُ الرَّبَّانِيَّةُ لِتَكُونَ زَوْجَةً لِسَيِّدِ الوُجُودِ، سَيِّدِ العَالَمِينَ، سَيِّدِ الدَّارَيْنِ، سَيِّدِ الخَلْقِ عَلَى الإِطْلَاقِ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، هَذِهِ السَّيِّدَةُ الجَلِيلَةُ الَّتِي مَا خَلَقَ اللهُ تَعَالَى فِي الوُجُودِ مِثْلَهَا، لَا مِنْ قَبْلُ وَلَا مِنْ بَعْدُ.
يَقُولُ فِيهَا الحَبْرُ العَلَّامَةُ وَالبَحْرُ الفَهَّامَةُ فَرْعُ الدَّوْحَةِ المُحَمَّدِيَّةِ وَنَجْلُ الذَّاتِ الخَتْمِيَّةِ السَّيِّدُ جَعْفَرُ الصَّادِقُ المِيرْغَنِي مَادِحًا جَدَّتَهُ الفَخْرَى السَّيِّدَةَ خَدِيجَةَ الكُبْرَى:
قِـفْ بِـالحَجُونِ سُـوَيْعَةً يَــا حَـادِي *** وَاقْرَا الــسَّلَامَ أُهَيْلَ ذَاكَ الوَادِي
وَأَنِخْ رِكَابَ الشَّوْقِ فِي سُوْحِ الــعُلَا *** سُوْحِ الكِــرَامِ السَّادَةِ الأَمْجَـــادِ
وَاقْـصِدْ هُنَاكَ فَـرِيدَةَ الحُـسْنِ الَّـتِي *** حَوَتِ الفَخَارَ بِــسَيِّدِ العُبَّـــــادِ
وَقُـلِ الـسَّلَامُ عَلَيْكِ يَـا أُمَّ الــوَرَى *** زَوْجَ الرَّسُولِ الهَاشِمِيِّ الهَــــادِي
أُمَّ الــبَتُولِ خَــدِيجَةٌ ذَاتُ الـــتُّـقَى *** مَنْ بُشِّرَتْ بِالفَوْزِ وَالإِسْعَـــــادِ
وَعَـــلَتْ عَـــلَى هَـامِ السِّمَاكِ بِرُتْبَةٍ *** وَسَمَتْ عَلَى الأَمْثَالِ وَالأَنْــــدَادِ
فَــــخْرٌ بِـــقَصْرٍ أَيُّ قَـــصْرٍ مِـثْلُهُ *** فِي جَنَّةٍ جَــلَّتْ عَـنِ الـــــتَّعْدَادِ
جَــــادَتْ عَـــلَى خَيْرِ الأَنَامِ بِـمَالِهَا *** فَأَنَــــالَهَا الحُسْنَى وَخَيْرَ مُــــرَادِ
نَـــصَرَتْ حَبِيبَ اللهِ فِي أَعْـــدَائِـهِ *** ظَفِرَتْ بِكُلِّ جَمِيلَةٍ وَأَيَـــــــادِي
حَــــازَتْ فَـضَائِلَ لَمْ يَحُزْهَا غَـيْرُهَا *** فِي عَصْرِهَا مِنْ حَاضِرٍ أَوْ بَـــادِي
شَــرُفَتْ بِــتَصْدِيقٍ وَصِدْقٍ ظَـاهِرٍ *** سَبَقَتْ بِإِسْلَامٍ عَلَى الأَجْـــــوَادِ
كَـــانَتْ إِذَا مَـــا الـوَحْيُ يَأْتِيهِ أَتَى *** لِخَدِيجَةٍ تُؤْوِيهِ بِــــالإِرْفَـــــــادِ
وَتُــزَمِّلُ المُخْــتَارَ حَـــتَّى يَـسْكُنَ *** الرَّوْعُ المُخِيفُ بِـــإِذْنِ مَوْلًى هَادِي
وَيُــــفِيدُهَا وَحْــيًا وَقَـوْلًا صَادِقًا *** فِي حَالَةِ الإِصْــدَارِ وَالإِيــــــرَادِ
وَتُـــثَبِّتُ المَحْــمُودَ فِي عَـــزَمَاتِـهِ *** بِــــمَقَالَةٍ تُدْنِي مِنَ الإِبْعَـــــــادِ
هَــذَا لَعَمْرِي الفَخْرُ وَالشَّانُ الَّـذِي *** تَسْمُو بِهِ أَبَدًا عَلَى الآبَــــــــــادِ
يَـــا جَدَّةَ الحَسَنَيْنِ وَالسِّبْطَيْنِ يَــــا *** بَحْرَ النَّدَى وَالجُودِ وَالإِمْـــــدَادِ
يَـــا مَــنْ كَرَامَتُهَا كَـشَمْسِ ظَهِيرَةٍ *** يَا مَنْ إِغَاثَتُهَا كَقَدْحِ زِنَـــــــــادِ
يَـــا مَـنْ لَهَا الجَاهُ العَرِيضُ وَمَنْ لَهَا *** الفَيْضُ المُفِيضُ لِكُلِّ قَلْبٍ صَادِي
يَــا أَفْـضَلَ الأَزْوَاجِ سَـــيِّدَةَ النِّسَا *** يَا جَدَّةَ الأَشْرَافِ وَالأَسْيَـــــــادِ
رَبِّ اسْــتَجَرْتُ بِــجَاهِهَا وَبِـبِنْتِهَا *** وَبِنَسْلِهَا الأَطْهَارِ وَالأَمْجَــــــــادِ
وَبِـحَقِّ طَهَ المُصْطَفَى غَوْثِ الوَرَى *** وَبِآلِهِ وَبِصَحْبِهِ الأَفْـــــــــــرَادِ
أَنْ تُـصْلِحَ الأَقْوَالَ وَالأَفْعَالَ يَــــا *** مَنْ جُودُهُ لَا يُحْصَى بِالتَّعْــــــدَادِ
وَتُــنِيلَنِي فَـــتْحًا وَعِــزًّا دَائِمًـــا *** فِي هَذِهِ الدُّنْيَا وَفِي المِيعَــــــــــادِ
وَقَـــضَاءَ حَاجَاتِي وَخَذْلَ مُعَانِدِي *** وَسَعَادَةً تَمْحُو لِكُلِّ فَسَـــــــــادِ
وَاشْــمَلْ أُصَيْحَابِي وَأَهْلِي كُــلَّهُمْ *** مَعَ سَــــــائِرِ الأَزْوَاجِ وَالأَوْلَادِ
وَأَنْــزِلْ عَلَى هَذَا الضَّرِيحِ مَــوَاهِبًا *** لِلزَّائِرِينَ وَجُمْلَةِ القُصَّــــــــــادِ
فَــلَكَمْ بِـــهِ مَنًّا أَغَثْتَ أَخَـا أَسًـى *** وَلَكَمْ بِهِ فَرَّجْتَ عَنْ أَكْبَـــــــادِ
لَا زَالَ كَـــهْفًا لِلشَّدَائِدِ مَـــلْــجَأً *** يَأْوِي لَهُ مِنْ رَائِحٍ أَوْ غَـــــــادِي
يَــــا رَبَّةَ الإِحْسَانِ بِــنْتَ خُـوَيْلِدٍ *** أَدْنِي لِعَبْدِكِ مِنْ ضَنَى الإِبْعَــــادِ
فَـــضْلًا أَغِيثِينِي بِـــنَصْرٍ عَــاجِلٍ *** لَا آجِلٍ يَا غَوْثَ هَذَا الـــــوَادِي
وَتَـــقَبَّلِي قَـــوْلَ الفَقِيرِ وَسَــامِحِي *** عَجْزَ الحَقِيرِ وَأَصْلِحِي إِفْسَــادِي
وَسَــلِي الجَوَادَ يَـجُودُ مِـنْهُ بِـنَفْحَةٍ *** وَيُقِيلُ عَثَرَاتِي بِحَقِّ الهَـــــــادِي
صَــلَّى عَلَيْهِ اللهُ مَــا بَرْقٌ سَــــرَى *** أَوْ لَاحَ وَصْلٌ مِنْ قُبَابِ سُعَـــادِ
وَالآلِ وَالأَصْحَابِ خُــصَّ خَدِيجَةً *** مَــــا غَنَّتِ الأَطْيَارُ فِي الأَعْــوَادِ
أَوْ فَـاحَ نَشْرُ القُرْبِ مِنْ نَحْوِ الحِمَى *** أَوْ جَـــعْـفَرٌ يَــرْجُوهُ لِلْإِمْـــدَادِ
أَوْ أَنْــشَدَ المَكْرُوبُ نَـــظْمًا قَـــائِلًا *** قِفْ بِالحَجُونِ سُوَيْعَةً يَا حَـــادِي
وَهَذَا قَلِيلٌ فِي حَقِّهَا، بَعْدَمَا قَالَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا، وَعَطَّفَ قَلْبَهَا الشَّرِيفَ عَلَيْنَا. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.