قضاء القاضي بعلمه

13389 - قضاء القاضي بعلمه

27-11-2024 525 مشاهدة
 السؤال :
هَلْ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ، بِدُونِ إِحْضَارِ الشُّهُودِ مِنَ المُدَّعِي؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 13389
 2024-11-27

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَمُهِمَّةُ القَاضِي مُهِمَّةٌ خَطِيرَةٌ جِدًّا، وَالسَّعِيدُ المُوَفَّقُ مِنَ القُضَاةِ مَنْ قَضَى بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ، قَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَقَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ مُتَعَمِّدًا فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِغَيْرِ عِلْمٍ فَهُوَ فِي النَّارِ» رَوَاهُ الحَاكِمُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. هَذَا أَوَّلًا.

ثَانِيًا: بِاتِّفَاقِ الفُقَهَاءِ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِعِلْمِهِ في الحُدُودِ الخَالِصَةِ للهِ تعالى، كَالزِّنَا وَشُرْبِ الخَمْرِ، لِأَنَّ الحُدُودَ يُحْتَاطُ في دَرْئِهَا، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ادْرَؤُوا الْحُدُودَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ وَجَدْتُمْ لِمُسْلِمٍ مَخْرَجًا فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الْإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ» رَوَاهُ الحَاكِمُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

وَلِأَنَّ الحُدُودَ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِالإِقْرَارِ أَوِ البَيِّنَةِ المَنْطُوقِ بِهَا، فَالقَاضِي إِذَا عَلِمَ عَلَى العَبْدِ أَمْرًا، فَأَمَامَ مَنْ سَيَنْطِقُ بِهِ؟ لِذَلِكَ يُدْرَأُ الحَدُّ عَنِ العَبْدِ بِدُونِ إِقْرَارٍ أَوْ شُهُودٍ.

ثَالِثًا: أَمَّا قَضَاءُ القَاضِي بِعِلْمِهِ في حُقُوقِ الآخَرِينَ فَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الفُقَهَاءِ، ذَهَبَ المَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ إلى أَنَّ القَاضِيَ لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ في حُقُوقِ الآخَرِينَ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلاَ يَأْخُذْ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا. فَدَلَّ الحَدِيثُ الشَّرِيفُ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَقْضِي بِمَا يَسْمَعُ لَا بِمَا يَعْلَمُ.

وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ تَدَاعَى عِنْدَهُ رَجُلَانِ، فَقَال لَهُ أَحَدُهُمَا: أَنْتَ شَاهِدِي.

فَقَال: إِنْ شِئْتُمَا شَهِدْتُ وَلَمْ أَحْكُمْ، أَوْ أَحْكُمُ وَلَا أَشْهَدُ.

وَبَعْضُ الفُقَهَاءِ قَالُوا بِجَوَازِ ذَلِكَ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ، فَقَالَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ، بِالْمَعْرُوفِ».

فَحَكَمَ لَهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ بَيّنَةٍ وَلَا إِقْرَارٍ، لِعِلْمِهِ بِصِدْقِهَا.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ البَيِّنَةِ أَوِ الإِقْرَارِ، وَخَاصَّةً في هَذَا الزَّمَنِ. هذا، والله تعالى أعلم.

 

525 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مسائل فقهية متنوعة

 السؤال :
 2025-05-14
 343
امْرَأَةٌ تُرَبِّي طُيُورًا فِي بَيْتِهَا، خَرَجَتْ يَوْمًا وَنَسِيَتْ وَضْعَ الطَّعَامِ لَهُمْ حَتَّى مَاتُوا، فَمَاذَا يَجِبُ عَلَيْهَا؟
رقم الفتوى : 13636
 السؤال :
 2025-05-14
 593
مَا صِحَّةُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: قَالَ المَجْدُ اللُّغَوِيُّ: وَرُوِينَا عَنِ الأَصْمَعِيِّ قال: وَقَفَ أَعْرَابِيٌّ مُقَابِلَ قَبْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا حَبِيبُكَ، وَأَنَا عَبْدُكَ، وَالشَّيْطَانُ عَدُوُّكَ، فَإِنْ غَفَرْتَ لِي سُرَّ حَبِيبُكَ، وَفَازَ عَبْدُكَ، وَغَضِبَ عَدُوُّكَ، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لِي غَضِبَ حَبِيبُكَ، وَرَضِيَ عَدُوُّكَ، وَهَلَكَ عَبْدُكَ وَأَنْتَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ تُغْضِبَ حَبِيبَكَ، وَتُرْضِيَ عَدُوَّكَ وَتُهْلِكَ عَبْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنَّ العَرَبَ الكِرَامَ إِذَا مَاتَ مِنْهُمْ سَيِّدٌ أَعْتَقُوا عَلَى قَبْرِهِ، وَإِنَّ هَذَا سَيِّدُ العَالَمِينَ فَأَعْتِقْنِي عَلَى قَبْرِهِ. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: فَقُلْتُ: يَا أَخَا العَرَبِ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ غَفَرَ لَكَ، وَأَعْتَقَكَ بِحُسْنِ هَذَا السُّؤَالِ؟
رقم الفتوى : 13634
 السؤال :
 2025-05-14
 235
مَا نَصِيحَتُكُمْ لِإِنْسَانٍ يَشْعُرُ أَنَّهُ مَحْسُودٌ مِنْ أَقْرَانِهِ؟
رقم الفتوى : 13633
 السؤال :
 2025-05-14
 252
مَاذَا يَعْنِي كَلَامُ ابْنِ عَطَاءِ اللهِ السَّكَنْدَرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ مَقَامَكَ، فَانْظُرْ فِي أَيِّ شَيْءٍ أَقَامَكَ؟
رقم الفتوى : 13631
 السؤال :
 2025-04-28
 243
لَقَدْ أَتْعَبَنِي الانْشِغَالُ بِعُيُوبِ النَّاسِ، وَأَصْبَحَ لَدَيَّ نُفُورٌ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ إِلَّا القَلِيلَ، فَمَا نَصِيحَتُكُمْ لِي؟
رقم الفتوى : 13602
 السؤال :
 2025-04-23
 302
هَلْ صَحِيحٌ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ إِذَا دَخَلَ بَيْتًا، أَوْ أَيَّ مَكَانٍ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ، أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى نَفْسِهِ؟
رقم الفتوى : 13596

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3235
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424670669
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :