الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: يقول الإمامُ البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه، في كتاب النكاح، بَاب مَا يَحِلُّ مِنَ النِّسَاءِ وَمَا يَحْرُمُ: (وَجَمَعَ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ بَيْنَ ابْنَةِ عَلِيٍّ وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لا بَأْسَ بِهِ، وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ مَرَّةً، ثُمَّ قَالَ: لا بَأْسَ بِهِ).
ثانياً: جاء في بدائع الصنائع: (وَيَجُوزُ الجَمْعُ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَبِنْتِ زَوْجٍ كَانَ لَهَا مِنْ قَبْلُ، أَوْ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَزَوْجَةٍ كَانَتْ لأَبِيهَا، وَهُمَا وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ لا رَحِمَ بَيْنَهُمَا، فَلَمْ يُوجَدِ الجَمْعُ بَيْنَ ذَوَاتَيْ رَحِمٍ) اهـ.
وجاء في اللباب: (ولا يُجمعُ بينَ امرأتينِ لو كانتْ كلُّ واحدةٍ منهما رجلاً لم يجزْ له أن يتزوَّج بالأخرى، ولا بأسَ أنْ يجمعَ بين امرأةٍ وابنةِ زوجٍ كان لها من قبلُ) اهـ.
وجاء في ردِّ المحتار: ((وَ) حَرُمَ (الجَمْعُ) بَيْنَ المَحَارِمِ (نِكَاحًا) أَيْ عَقْدًا صَحِيحًا (وَعِدَّةً وَلَوْ مِنْ طَلاقٍ بَائِنٍ، وَ) حَرُمَ الجَمْعُ (وَطْءٍ بِمِلْكِ يَمِينٍ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ، أَيَّتُهُمَا فُرِضَتْ ذَكَرًا لَمْ تَحِلَّ لِلأُخْرَى) أَبَدًا؛ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ: (لا تُنْكَحُ المَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا)، وَهُوَ مَشْهُورٌ يَصْلُحُ مُخَصِّصًا لِلْكِتَابِ (فَجَازَ الجَمْعُ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَبِنْتِ زَوْجِهَا) اهـ.
ثالثاً: جاء في المغني: (وَلا بَأْسَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ مَنْ كَانَتْ زَوْجَةَ رَجُلٍ وَابْنَتَهُ مِنْ غَيْرِهَا) أَكْثَرُ أَهْلِ العِلْمِ يَرَوْنَ الجَمْعَ بَيْنَ المَرْأَةِ وَرَبِيبَتِهَا جَائِزًا، لا بَأْسَ بِهِ) اهـ.
رابعاً: جاء في المجموع: (ويجوزُ الجمعُ بينَ امرأةٍ كانتْ لرجلٍ وبينَ ابنةِ زوجها الأولِ من غيرِهما) اهـ.
خامساً: جاء في نهاية المطلب: (والاجتماعُ في الصهرِ المُحَرِّمِ لا يوجب تحريمَ الجمعِ، فيجوز الجمعُ بينَ المرأةِ وبنتِ زوجِها، أو أمِّ زوجِها، وإن كان بينهما سببٌ يوجبُ الحُرمةَ والمَحْرَمِيَّةَ. وإنما قلنا ما قلنا في النسبِ، لما نبّه عليه صاحبُ الشرعِ؛ إذ قال ـ لما نهى عن الجمعِ بينَ الأختينِ ـ (إنكم لو فعلتُمْ ذلكَ، قطعتمْ أرحامكم) [رواه الطبراني]. والرَّضاعُ مُلحَقٌ بالقَرابةِ؛ فإنه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: (الرَّضاعُ ما أَنْبَتَ اللحمَ وأَنْشَزَ العَظْمَ) [رواه الإمام مالك وأحمد وغيرهما]؛ فكانَ الرضاعُ في معنى القرابةِ، والمصاهرةُ ليس فيها رحمٌ، حتى يفرضَ إفضاءُ الجمعِ إلى قطعِهِ) اهـ.
وبناء على ذلك:
فيجوزُ للرجلِ أن يجمعَ بينَ زوجتِهِ وزوجةِ أبيها في وقتٍ واحدٍ؛ لأنه لا صلةَ بين الزوجتينِ ـ أي بينَ الزوجةِ الأولى وزوجةِ أبيها ـ والذي يَحْرُمُ الجمعُ بينهما هما: الأختانِ، والمرأةُ وخالتُها، والمرأةُ وعمَّتها، وما عدا ذلك فجائزٌ شرعاً، لدخوله تحت قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}.
وهذا لا يتعارض مع الضَّابطِ المشهورِ في تحريمِ الجمعِ بين المرأتين وهو: أنه متى قُدِّر إحداهما ذكراً والأخرى أنثى حرُمَ الجمعُ بينهما؛ لأنَّ المقصودَ التحريمُ منَ الجهتينِ، وهنا التحريمُ من جهةٍ واحدةٍ، إذ لو قُدِّرَ أنَّ امرأةَ الأبِ رجلٌ لما حرُمَ عليه نكاحُ هذه البنتِ، إذ هيَ أجنبيَّةٌ عنه ضرورةً.
فتحريمُ الجمعِ مقصورٌ على ما كان بسببِ نسبٍ أو رضاعٍ. روى الطبرانيُّ في المعجمِ الكبيرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُزَوَّجَ المَرْأَةُ عَلَى العَمَّةِ وَعَلَى الخَالَةِ، وَقَالَ: إِنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَكُمْ).
أما في المصاهرةِ فلا يوجدُ رحمٌ يُقطعُ بسببِ الجمعِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |