الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
هَذَا إِيلَاءٌ مُعَلَّقٌ عَلَى طَلَاقٍ، فَالزَّوْجُ آثِمٌ بِذَلِكَ إِنْ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى زَوْجَتِهِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَإِنْ فَاؤُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. وَالمَفْهُومُ المُخَالِفُ إِذَا لَمْ يَفِئْ فَهُوَ آثِمٌ. هَذَا أَوَّلًا.
ثَانِيًا: حُكْمُ هَذَا اليَمِينِ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ عَلَى الشَّكْلِ التَّالِي: إِنْ رَجَعَ عَنْ يَمِينِهِ وَقَرُبَ زَوْجَتَهُ قَبْلَ العِيدِ فَقَدْ حَنَثَ في يَمِينِهِ لِفِعْلِهِ المَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَطَالَمَا عَلَّقَ ذَلِكَ عَلَى الطَّلَاقِ فَيَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ بِرُجُوعِهِ إِلَيْهَا.
وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ يَمِينِهِ وَبَرَّ في يَمِينِهِ وَمَضَتْ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ بِدَايَةِ الحَلْفِ، طَلُقَتْ مِنْهُ زَوْجَتُهُ طَلْقَةً بَائِنَةً، بِدُونِ أَنْ تَرْفَعَ أَمْرَهَا إلى القَاضِي وَذَلِكَ جَزَاءً لَهُ عَلَى ظُلْمِهِ، وَرَحْمَةً بِالمَرْأَةِ، وَنَظَرًا لِمَصْلَحَتِهَا بِتَخْلِيصِهَا مِنْ هَذَا الزَّوْجِ الآثِمِ.
حُكْمُهُ عِنْدَ الجُمْهُورِ مِنَ المَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ عَلَى الشَّكْلِ التَّالِي: إِنْ رَجَعَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَاشَرَ زَوْجَتَهُ قَبْلَ العِيدِ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِ الحَنَفِيَّةِ.
وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ يَمِينِهِ وَبَرَّ بِهِ وَمَضَتْ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ بِدَايَةِ الحَلْفِ لَا تَطْلُقُ مِنْهُ زَوْجَتُهُ، بَلِ الأَمْرُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الزَّوْجَةِ، فَإِنْ رَفَعَتْ أَمْرَهَا إلى القَاضِي بِسَبَبِ هَذَا الضَّرَرِ، فَإِنَّ القَاضِي يَأْمُرُهُ بِالعَوْدَةِ إِلَيْهَا، فَإِنْ أَبَى يَأْمُرُهُ بِتَطْلِيقِهَا، فَإِنْ أَبَى يُطَلِّقُهَا القَاضِي عِنْدَئِذٍ.
وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ يَمِينِهِ حَتَّى مَضَتِ الأَشْهُرُ الأَرْبَعَةُ، وَلَمْ تَرْفَعْ أَمْرَهَا إلى القَاضِي، وَمَضَتِ المُدَّةُ المُحَدَّدَةُ، وَبَرَّ بِقَسَمِهِ وَعَادَ إِلَيْهَا بَعْدَ مُضِيِّ المُدَّةِ المُحَدَّدَةِ، لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
عِنْدَ السَّادَةِ الحَنَفِيَّةِ: إِنْ عَادَ إِلَيْهَا قَبْلَ العِيدِ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَيَكُونُ هَذَا الطَّلَاقُ الثَّالِثُ، فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، لِأَنَّهُ مُطَلِّقٌ مَرَّتَيْنِ مِنْ سَابِقٍ.
وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهَا حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ كَذَلِكَ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ، لِأَنَّهُ بِمُضِيِّ الأَشْهُرِ الأَرْبَعَةِ بِدُونِ العَوْدَةِ إِلَيْهَا إِضْرَارٌ لَهَا، وَيُعَاقَبُ عَلَى إِضْرَارِهِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.
أَمَّا عِنْدَ الجُمْهُورِ: إِنْ عَادَ إِلَيْهَا قَبْلَ العِيدِ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ كَذَلِكَ، وَتَكُونُ هَذِهِ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ، وَعِنْدَهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ.
وَإِنْ مَضَتْ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَقْرَبْهَا وَلَمْ تَرْفَعْ أَمْرَهَا إلى القَاضِي، وَبَرَّ هُوَ بِقَسَمِهِ، فَلَمْ يَقْرَبْهَا إلى يَوْمِ العِيدِ، فَإِنَّهَا تَبْقَى زَوْجَتَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. هذا، والله تعالى أعلم.