الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَإِنَّ المَالَ المُعَدَّ لِشِرَاءِ مَسْكَنٍ أَوْ زَوَاجٍ إِذَا بَلَغَ نِصَابًا، وَحَالَ عَلَيْهِ الحَوْلُ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِيهِ، وَأَمَّا مَا نُقِلَ مِنْ حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى عَنِ ابْنِ مَلَكٍ قَوْلُهُ: (فَإِذَا كَانَ مَعَهُ دَرَاهِمُ أَمْسَكَهَا بِنِيَّةِ صَرْفِهَا إِلَى حَاجَتِهِ الأَصْلِيَّةِ، لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا إِذَا حَالَ الحَوْلُ وَهِيَ عِنْدَهُ) فَهُوَ نَقْلٌ صَحِيحٌ، وَلَكِنَّ تَتِمَّةَ العِبَارَةِ: لَكِنِ اعْتَرَضَهُ فِي البَحْرِ ـ ابْنُ نُجَيْمٍ ـ بِقَوْلِهِ: (وَيُخَالِفُهُ مَا فِي المِعْرَاجِ) فِي فَصْلِ زَكَاةِ العُرُوضِ: (أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي النَّقْدِ كَيْفَمَا أَمْسَكَهُ لِلنَّمَاءِ أَوْ لِلنَّفَقَةِ) وَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَيَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ: وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ وَالشُّرُنْبُلالِيَّة وَشَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ، وَسَيُصَرِّحُ بِهِ الشَّارِحُ ـ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَشَرْطُهُ، أَيْ شَرْطُ افْتِرَاضِ أَدَائِهَا ـ حَوَلَانُ الحَوْلِ ـ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ ـ وَثَمَنِيَّةُ المَالِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ـ لِتَعَيُّنِهِمَا لِلتِّجَارَةِ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ، فَتَلْزَمُ الزَّكَاةُ كَيْفَمَا أَمْسَكَهُمَا وَلَوْ لِلنَّفَقَةِ. اهـ حَاشِيَة ابْنِ عَابِدِينَ. كِتَابُ الزَّكَاةِ فِي صَفَحَاتِهِ الأُولَى.
وَجَاءَ فِي المَوْسُوعَةِ الفِقْهِيَّةِ الكُوَيْتِيَّةِ مُصْطَلَحُ (زَكَاة) شُرُوطُ الْمَال الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ: ـ الشَّرْطُ الرَّابِعُ ـ: وَلَمْ يَذْكُرْ أَيٌّ مِنْ أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ هَذَا الشَّرْطَ مُسْتَقِلًّا، وَلَعَلَّهُ لِأَنَّ الزَّكَاةَ أَوْجَبَهَا الشَّرْعُ فِي أَجْنَاسٍ مُعَيَّنَةٍ مِنَ الْمَال إِذَا حَال الْحَوْل عَلَى نِصَابٍ كَامِلٍ مِنْهَا، فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
1ـ فَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي المَالِ المَحْبُوسِ مِنْ أَجْلِ شِرَاءِ سَكَنٍ أَوْ زَوَاجٍ إِذَا بَلَغَ نِصَابًا، وَحَالَ الحَوْلُ عَلَيْهِ.
2ـ وَهَلْ يَضْمَنُ صَاحِبُ المَالِ الَّذِي بَلَغَ مَالُهُ نِصَابًا وَحَالَ الحَوْلُ عَلَيْهِ أَنْ يَبْقَى عَلَى قَيْدِ الحَيَاةِ حَتَّى يَشْتَرِيَ مَسْكَنًا أَوْ يَتَزَوَّجَ؟ فَمَا هُوَ قَائِلٌ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ القِيَامَةِ إِذَا مَاتَ وَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاةَ مَالِهِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَقْسَمَ بِقَوْلِهِ: «ثَلَاثٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ، وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ».
قَالَ: «فَأَمَّا الثَّلَاثُ الَّتِي أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ: فَإِنَّهُ مَا نَقَّصَ مَالَ عَبْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ بِمَظْلَمَةٍ فَيَصْبِرُ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللهُ بِهَا عِزًّا، وَلَا يَفْتَحُ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللهُ لَهُ بَابَ فَقْرٍ» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. هذا، والله تعالى أعلم.