الكذب على الزوجة

6176 - الكذب على الزوجة

26-02-2014 16306 مشاهدة
 السؤال :
هل صحيح بأنه يجوز للرجل أن يكذب على زوجته، وقد يستدل على ذلك بحديث عن سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 6176
 2014-02-26

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: مِمَّا لا شَكَّ فيه بأنَّ الكَذِبَ من أقبَحِ الخِصالِ الذَّميمَةِ، وهوَ كَبيرَةٌ من الكَبائِرِ، وقد حَذَّرَ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ منهُ، وذلكَ بالحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله صِدِّيقاً، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله كَذَّاباً».

وقد جَعَلَ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الكَذِبَ عُنواناً على النِّفاقِ، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقاً خَالِصاً، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا، إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» رواه الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُ.

ثانياً: أجازَ الشَّرعُ في بَعضِ الحَالاتِ والمَواطِنِ الكَذِبَ الذي فيهِ إصلاحٌ بَينَ النَّاسِ، روى الشيخان عن أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: سَمِعتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْراً أَوْ يَقُولُ خَيْراً».

وروى الإمام مسلم عن ابْن شِهَابٍ قال: وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ، الْحَرْبُ، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا.

ثالثاً: ذَكَرَ الفُقَهاءُ وأهلُ العِلمِ فيما يَتَعَلَّقُ في كَذِبِ الرَّجُلِ على امرَأَتِهِ، وكَذِبِ المَرأَةِ على زَوجِها، بأنَّهُ مُقَيَّدٌ فيما يَتَعَلَّقُ بأمرِ المُعاشَرَةِ وحُصولِ الأُلفَةِ بَينَهُما.

يَقولُ الإمامُ الحَافِظُ ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ تعالى: واتَّفَقوا على أنَّ المُرادَ بالكَذِبِ في حَقِّ المَرأَةِ والرَّجُلِ إنَّما هوَ فيما لا يُسقِطُ حَقَّاً عَلَيهِ أو عَلَيهَا أو أَخذِ ما لَيسَ لَهُ أو لَها.

ويَقولُ الإمامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: وَأَمَّا كَذِبُهُ لِزَوْجَتِهِ وَكَذِبُهَا لَهُ فَالْمُرَاد بِهِ فِي إِظْهَارِ الْوُدِّ وَالْوَعْدِ بِمَا لَا يَلْزَمُ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَأَمَّا الْمُخَادَعَةُ فِي مَنْعِ مَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا، أَوْ أَخْذِ مَا لَيْسَ لَهُ أَوْ لَهَا فَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.

وبناء على ذلك:

فإذا أجازَ الشَّرْعُ الشَّريفُ الكَذِبَ للإصلاحِ بَينَ النَّاسِ بِشَرطِ عَدَمِ ضَياعِ الحُقوقِ، فالكَذِبُ بَينَ الزَّوجَينِ لإصلاحِ الحَياةِ الزَّوجِيَّةِ بَينَهُما من بابِ أَولَى.

يَقولُ سَيِّدُنا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ لامرَأَةٍ: إِذَا كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ لَا تُحِبُّ الرَّجُلَ مِنَّا فَلَا تُخْبِرْهُ بِذَلِكَ، فَإِنَّ أَقَلَّ الْبُيُوتِ مَا يُبْنَى عَلَى الْمَحَبَّةِ، وَإِنَّمَا النَّاسُ يَتَعَاشَرُونَ بِالْحَسَبِ وَالْإِسْلَامِ.

فالكَذِبُ بَينَ الزَّوجَينِ لِدَيمومَةِ المَوَدَّةِ والمَحَبَّةِ لا حَرَجَ فيهِ، ولكن لا يَجوزُ فيما يَتَعَلَّقُ بالحُقوقِ الوَاجِبَةِ المُتَرَتِّبَةِ على كُلٍّ مِنهُما. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
16306 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مسائل فقهية متنوعة

 السؤال :
 2025-04-23
 62
هَلْ صَحِيحٌ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ إِذَا دَخَلَ بَيْتًا، أَوْ أَيَّ مَكَانٍ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ، أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى نَفْسِهِ؟
رقم الفتوى : 13596
 السؤال :
 2025-04-23
 50
مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ وَعْدَ اللهِ تَعَالَى لَا يُخْلَفُ، وَلَكِنَّ السُّؤَالَ: أَيْنَ نَصْرُ اللهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ المُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ؟
رقم الفتوى : 13595
 السؤال :
 2025-04-19
 294
جَمْعِيَّةٌ أُسِّسَتْ لِتَعْلِيمِ فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ، وَكَفَالَةِ اليَتِيمِ، وَإِطْعَامِ الفَقِيرِ، فَهَلْ يَجُوزُ لِأَفْرَادِ هَذِهِ الجَمْعِيَّةِ تَوَارُثُ مُمْتَلَكَاتِ الجَمْعِيَّةِ، الَّتِي بُنِيَتْ، وَجُمِعَ لَهَا المَالُ لِإِعَانَةِ الفُقَرَاءِ؟ هذا أَوَّلًا. ثَانِيًا: هَلْ يُبَاحُ لِلْقَائِمِينَ عَلَى هَذِهِ الجَمْعِيَّةِ أَخْذُ نِسْبَةٍ مِنَ المَالِ لَهُمْ؟ ثَالِثًا: إِذَا بَنَتِ الجَمْعِيَّةُ مَدَارِسَ لِلْفُقَرَاءِ، هَلْ مِنْ حَقِّ الجَمْعِيَّةِ أَنْ تَفْرِضَ أَقْسَاطًا عَلَى الطُّلَّابِ أَكْثَرَ مِنَ النَّفَقَاتِ الَّتِي تُصْرَفُ عَلَيْهِمْ؟ رَابِعًا: مَا مَصِيرُ الأَمْوَالِ الفَائِضَةِ وَالزَّائِدَةِ عِنْدَ الجَمْعِيَّةِ بَعْدَ أَدَاءِ النَّفَقَاتِ المُتَرَتِّبَةِ عَلَى الجَمْعِيَّةِ؟
رقم الفتوى : 13589
 السؤال :
 2025-04-10
 381
مَا وَاجِبُنَا نَحْوَ إِخْوَانِنَا فِي فِلَسْطِينَ، وَخَاصَّةً فِي غَزَّةَ؟
رقم الفتوى : 13560
 السؤال :
 2025-04-10
 154
لَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ كَثِيرًا عَنِ الأَوْلِيَاءِ، وَلَكِنِ اليَوْمَ نَكَادُ لَا نَرَى وَلِيًّا، فَهَلْ قَلَّ عَدَدُ الأَوْلِيَاءِ للهِ تَعَالَى فِي هَذَا الزَّمَانِ؟
رقم الفتوى : 13559
 السؤال :
 2025-03-23
 342
مَا صِحَّةُ مَا يَنْتَشِرُ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُقَدِّمَ هَدِيَّةً لِزَوْجَتِهِ يَوْمَ عِيدِ الفِطْرِ، لِقَاءَ تَعَبِهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَيُسَمَّى هَذَا الحَقُّ حَقَّ المِلْحِ؟
رقم الفتوى : 13540

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5682
المقالات 3210
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 422815184
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :