الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: روى الشيخان عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحاً طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحاً خَبِيثَةً».
وروى أبو داود والترمذي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِناً، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ».
ثانياً: روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: «أَسْلِمْ».
فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: «الْحَمْدُ لله الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ».
وروى الشيخان عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللهُ عنها قَالَ: قَدِمَتْ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَمُدَّتِهِمْ إِذْ عَاهَدُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ ابْنِهَا، فَاسْتَفْتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُهَا؟
قَالَ: «نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ».
وبناء على ذلك:
فَمُصَادَقَةُ العَبدِ الكَافِرِ قد تَضُرُّ العَبدَ المُسلِمَ، وقد تُولِدُ في قَلبِ المُسلِمِ الرِّضا ببَعضِ ما يُؤَدِّيهِ من شَعائِرَ دِينِيَّةٍ، بل قد تَقودُ العَبدَ المُسلِمَ إلى عَدَمِ الرِّضا بِحُكمِ الله تعالى على الكُفَّارِ بالكُفرِ والخُلودِ في النَّارِ والعِياذُ بالله تعالى.
لذلكَ لا يَليقُ بالعَبدِ المُسلِمِ أن يُصاحِبَ كافِراً، وذلكَ من أجلِ سَلامَةِ دِينِهِ واعتِقادِهِ، ولكن هذا لا يَمنَعُ من الزِّيارَةِ بَينَ الحِينِ والآخَرِ، ومن تَقديمِ هَدِيَّةٍ رَجاءَ إسلامِهِ وإيمانِهِ، وأن يَكونَ ذلكَ من غَيرِ مَوَدَّةٍ قَلبِيَّةٍ، لِقَولِهِ تعالى: ﴿لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الله أَلا إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الْمُفْلِحُون﴾. والمَوَدَّةُ عَمَلٌ قَلبِيٌّ، وهذا لا يَعني أن لا يُخَالِقَ المُسلِمُ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ، بل على العَكسِ من ذلكَ تَماماً، وذلك لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ. هذا، والله تعالى أعلم.