الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد ذَكَرَ العُلَمَاءُ بأنَّ المَعصِيَةَ على نَوعَينِ، مَعصِيَةِ اعتِقَادٍ، ومَعصِيَةِ سُلُوكٍ، فمن كَانَت مَعصِيَتُهُ مَعصِيَةَ اعتِقَادٍ، وذلكَ بِتَحلِيلِ ما حَرَّمَ اللهُ تعالى، أو تَحرِيمِ ما أَحَلَّ اللهُ تعالى، فهذا على خَطَرٍ عَظِيمٍ، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ باللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً﴾.
أمَّا إن كَانَت مَعصِيَتُهُ مَعصِيَةَ سُلُوكٍ، مَعَ الاعتِقَادِ بأنَّهُ عَاصٍ للهِ تعالى في فِعلِ هذهِ المَعصِيَةِ، فهذا أَمرُهُ مُعَلَّقٌ على المَشِيئَةِ، إنْ شَاءَ اللهُ تعالى عَفَا، وإنْ شَاءَ عَذَّبَ، وهوَ إلى الرَّحمَةِ أَقرَبُ إن شَاءَ اللهُ تعالى، يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ واللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾. هذا أولاً.
ثانياً: أمَّا بالنِّسبَةِ للزَّانِي، فإنْ تَابَ إلى اللهِ تعالى فاللهُ تعالى يَقبَلُ تَوبَتَهُ، سَوَاءٌ كَانَت مَعصِيَتُهُ اعتَقَادَاً أو سُلُوكَاً، وذلكَ لِقَولِهِ تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَاباً﴾.
أمَّا إذا لم يَتُبْ إلى اللهِ تعالى من هذهِ المَعصِيَةِ، وكَانَت مَعصِيَتُهُ مَعصِيَةَ اعتِقَادٍ ـ والعِيَاذُ باللهِ تعالى ـ فهوَ على خَطَرٍ عَظِيمٍ، وقد يَكُونُ مُندَرِجَاً تَحتَ قَولِهِ تعالى: ﴿يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً﴾.
أمَّا إذا كَانَت مَعصِيَةُ الزِّنَى مَعصِيَةَ سُلُوكٍ، ولم يَتُبْ إلى اللهِ تعالى مِنهَا قَبلَ مَوتِهِ، مَعَ اعتِقَادِهِ بأَنَّهَا مَعصِيَةٌ، فهذا أَمرُهُ إلى اللهِ تعالى، إنْ شَاءَ عَفَا عَنهُ، وإنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، ولكِنَّهُ لَيسَ من الخَالِدِينَ في نَارِ جَهَنَّمَ.
وحَمَلَ الفُقَهَاءُ والمُفَسِّرُونَ قَولَهُ تعالى: ﴿وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً﴾. على من استَحَلَّ هذهِ الكَبِيرَةَ، لا على من فَعَلَهَا وهوَ يَعتَقِدُ أَنَّهَا مَعصِيَةٌ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |