الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَعِنْدَمَا أَرَادَ اللهُ تعالى خَلْقَ سَيِّدِنَا آدَمَ عَلَيهِ السَّلامُ، قَالَ للمَلائِكَةِ: ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً.
قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ.
قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾. وعلى هذا يَكُونُ قَوْلُ اللهِ تعالى لَهُم: ﴿وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ يَعنِي: عَلِمَ الذي أَبْدَوْهُ، وهوَ قَوْلُهُم: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ؟﴾.
وكذلكَ عَلِمَ تَبَارَكَ وتعالى مَا كَانُوا يَكْتُمُونَ في نُفُوسِهِم أَنَّهُم أَفْضَلُ من سَيِّدِنَا آدَمَ عَلَيهِ السَّلامُ، وذلكَ لأَنَّهُم لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم ويَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ.
وبناء على ذلك:
أولاً: قَولُهُ تعالى: ﴿وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ يَعنِي: رَبُّنَا عزَّ وجلَّ يَعْلَمُ السِّرَّ وأَخْفَى، وهوَ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ، سَوَاءٌ مَا يُعْلِنُهُ المَلائِكَةُ ما ومَا يَكْتُمُونَ، وكذلكَ مَا يُعْلِنُهُ البَشَرُ ومَا يَكْتُمُونَ.
ثانياً: قَولُهُ تعالى: ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ فِيهِ إِشَارَةٌ إلى أَنَّ كُلَّ تَشْرِيفٍ لا يَتِمُّ إلا بِقَدْرِ مَا يُؤَدِّي المَخْلُوقُ من تَكَالِيفٍ.
وسَيِّدُنَا آدَمُ عَلَيهِ السَّلامُ مَا اسْتَحَقَّ سُجُودَ المَلائِكَةِ إلا بَعدَ أَمْرَيْنِ؛ الأَوَّلُ: العِلْمُ، الثَّانِي: نَجَاحُهُ بالاخْتِبَارِ، وبذلكَ صَارَ مُعَدَّاً لِمُبَاشَرَةِ الخِلافَةِ بِكُلِّ مَا عَلَيهَا، وبِكُلِّ مَا لَهَا.
وبهذا تَحَدَّدَ المَوْقِفُ لِيَلْتَزِمَ كُلُّ مَخْلُوقٍ حَدَّهُ مَكَانَهُ. هذا، واللهُ تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |