{وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ}

6991 - {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ}

02-09-2015 2489 مشاهدة
 السؤال :
يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآيَاتِ واللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}. ويقول الله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ واللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}. فما هو الفارق بين الاستئذانين؟ وكيف يكون الاستئذان؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 6991
 2015-09-02

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ﴾. يَعْنِي وُجُوبَ أَمْرِ الصَّغِيرِ المُمَيِّزِ بالاسْتِئْذَانِ قَبْلَ الدُّخُولِ في الأَوْقَاتِ الثَّلاثَةِ التي هِيَ مَظِنَّةُ كَشْفِ العَوْرَاتِ، لأَنَّ العَادَةَ جَرَتْ بِتَخَفُّفِ النَّاسِ فِيهَا من الثِّيَابِ، وهذا عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ، أَمَّا في غَيْرِ هذهِ الأَوْقَاتِ فلا يَجِبُ.

يُرْوَى عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بَعَثَ غُلَامَاً من الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: مُدْلِجُ، إلى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ظَهِيرَةً لِيَدْعُوَهُ، فَوَجَدَهُ نَائِمَاً قَد أَغْلَقَ عَلَيْهِ البَابَ، فَدَقَّ الغُلَامُ البَابَ فَنَادَاهُ وَدَخَلَ، فَاسْتَيْقَظَ عُمَرُ وَجَلَسَ، فَانْكَشَفَ مِنْهُ شَيْءٌ.

فَقَالَ عُمَرُ: وَدِدْتُ أَنَّ اللهَ نَهَى أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا وَخَدَمَنَا عن الدُّخُولِ عَلَيْنَا في هذهِ السَّاعَاتِ إلا بِإِذْنٍ.

ثمَّ انْطَلَقَ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ فَوَجَدَ هذهِ الآيَةَ قَد أُنْزِلَتْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ﴾. فَخَرَّ سَاجِدَاً شُكْرَاً للهِ تعالى.

أَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾. فَيَعْنِي: إذا بَلَغَ الأَطْفَالُ سِنَّ الرِّجَالِ، وأَرَادَ الوَاحِدُ مِنْهُمُ الدُّخُولَ إلى بَيْتِهِ وفِيهِ بَعْضُ مَحَارِمِهِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الاسْتِئْذَانُ في سَائِرِ الأَوْقَاتِ، وهذا مَا أَكَّدَتْهُ السُّنَّةُ المُطَهَّرَةُ.

روى الإمام مالك في المُوَطَّأ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي؟

فَقَالَ: «نَعَمْ».

قَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي مَعَهَا فِي الْبَيْتِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا».

فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي خَادِمُهَا.

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا، أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً؟».

قَالَ: لَا.

قَالَ: «فَاسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا».

وبناء على ذلك:

فالآيَةُ الأُولَى تُوجِبُ أَمْرَ الصَّبِيِّ المُمَيِّزِ بالاسْتِئْذَانِ في هذهِ الأَوْقَاتِ الثَّلاثَةِ، التي هِيَ مَظِنَّةُ كَشْفِ العَوْرَاتِ، ولا حَرَجَ بَعْدَ ذلكَ في تَرْكِ الاسْتِئْذانِ في غَيْرِ هذهِ الأَوْقَاتِ الثَّلاثَةِ، لما في ذلكَ من الحَرَجِ في الاسْتِئْذانِ عِنْدَ كُلِّ خُرُوجٍ ودُخُولٍ، والصَّغِيرُ مِمَّنْ يَكْثُرُ دُخُولُهُ وخُرُوجُهُ، فَهُوَ من الطَّوَّافِينَ.

أَمَّا الآيَةُ الثَّانِيَةُ فَتُوجِبُ على مَن بَلَغَ الحُلُمَ أَنْ لا يَدْخُلَ على مَحَارِمِهِ في أَيِّ وَقْتٍ إلا بَعْدَ الاسْتِئْذانِ، خَشْيَةَ أَنْ يَرَى مِنْهَا مَا لا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ.

أَمَّا صِيغَةُ الاسْتِئْذانِ المُثْلَى فَهِيَ أَنْ يَقُولَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ؟ لما رواه الترمذي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: اسْتَأْذَنَ أَبُو مُوسَى عَلَى عُمَرَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ؟

قَالَ عُمَرُ: وَاحِدَةٌ ـ أَيْ: هَذِهِ اِسْتِئْذَانَةٌ وَاحِدَةٌ ـ.

ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ؟

قَالَ عُمَرُ: ثِنْتَانِ.

ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ؟

فَقَالَ عُمَرُ: ثَلَاثٌ ـ أَيْ: هَذِهِ مَعَ الْأُولَيَيْنِ ثَلَاثٌ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ عَلَيْك أَنْ تَقِفَ حَتَّى آذَنَ لَك ـ.

ثُمَّ رَجَعَ.

فَقَالَ عُمَرُ لِلْبَوَّابِ: مَا صَنَعَ؟

قَالَ: رَجَعَ.

قَالَ: عَلَيَّ بِهِ ـ أَيْ: اِئْتُونِي بِهِ ـ.

فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ: مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتَ؟

قَالَ: السُّنَّةَ ـ أَيْ: اِتَّبَعْتُ السُّنَّةَ ـ.

قَالَ: آلسُّنَّةَ؟! واللهِ لَتَأْتِيَنِّي عَلَى هَذَا بِبُرْهَانٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ لَأَفْعَلَنَّ بِكَ.

قَالَ: فَأَتَانَا وَنَحْنُ رُفْقَةٌ مِن الْأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَلَسْتُمْ أَعْلَمَ النَّاسِ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ؟ أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ، فَإِنْ أُذِنَ لَكَ، وَإِلَّا فَارْجِعْ»؟

فَجَعَلَ الْقَوْمُ يُمَازِحُونَهُ؛ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِي إِلَيْهِ فَقُلْتُ: فَمَا أَصَابَكَ فِي هَذَا مِن الْعُقُوبَةِ فَأَنَا شَرِيكُكَ.

قَالَ: فَأَتَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ.

فَقَالَ عُمَرُ: مَا كُنْتُ عَلِمْتُ بِهَذَا.

ويَقُومُ قَرْعُ البَابِ مَكَانَ الاسْتِئْذانِ، روى الإمام البخاري عَن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَى أَبِي، فَدَقَقْتُ الْبَابَ فَقَالَ: «مَنْ ذَا؟».

فَقُلْتُ: أَنَا.

 

فَقَالَ: «أَنَا أَنَا!» كَأَنَّهُ كَرِهَهَا. هذا، واللهُ تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
2489 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  التفسير وعلوم القرآن

 السؤال :
 2023-08-07
 245
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾؟
رقم الفتوى : 12669
 السؤال :
 2023-03-23
 1447
مَا هِيَ النَّارُ الكُبْرَى المُشَارُ إِلَيْهَا في قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى* ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾؟
رقم الفتوى : 12465
 السؤال :
 2023-03-23
 633
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾؟
رقم الفتوى : 12464
 السؤال :
 2023-01-30
 1687
مَا هُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾؟
رقم الفتوى : 12370
 السؤال :
 2022-08-03
 1439
مَا المَقْصُودُ بِالخَيْطِ الأَبْيَضِ وَالخَيْطِ الأَسْوَدِ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾؟
رقم الفتوى : 12087
 السؤال :
 2022-07-20
 959
يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾. كَيْفَ يَكُونُ الإِيذَاءُ للهِ تعالى، وَحَاشَاهُ أَنْ يَصِلَ لَهُ ضُرٌّ مِنَ الخَلْقِ؟
رقم الفتوى : 12068

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3162
المكتبة الصوتية 4798
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414342176
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :