مجاهدة النفس وتزكيتها

8363 - مجاهدة النفس وتزكيتها

16-10-2017 10245 مشاهدة
 السؤال :
ما هو السبيل لمجاهدة النفس وتزكيتها؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 8363
 2017-10-16

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَدِ اتَّفَقَ الفُقَهَاءُ وَالعُلَمَاءُ وَالمُرْشِدُونَ وَالحُكَمَاءُ عَلَى أَنَّ طَرِيقَ السَّعَادَةِ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِنَهْيِ النَّفْسِ عَنِ الهَوَى، وَمُخَالَفَةِ الشَّهَوَاتِ.

وَقَدْ جَعَلَ اللهُ تعالى مُخَالَفَةَ النَّفْسِ وَمُجَاهَدَتَهَا بِتَرْكِ هَوَاهَا سَبَبَاً لِدُخُولِ الجَنَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى﴾.

فَمُخَالَفَةُ النَّفْسِ رَأْسُ العِبَادَةِ، وَأَعْظَمُ الجِهَادِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام أحمد والحاكم عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ».

وَرَحِمَ اللهُ تعالى مَنْ قَالَ:

وَالنَّفْسُ كَـالـطِّفْلِ إِنْ تُهْمِلْهُ شَبَّ عَلَى   ***   حُـبِّ الـرَّضَـاعِ وَإِنْ تَـفْـطِمْهُ يَنْفَـطِمِ

ورَاعِـهَـا وَهِـيَ في الأَعْـمَـالِ سَـائِمَةٌ   ***   وَإِنْ هِيَ اسْتَحْلَتِ المَرْعَى فَـلَا تُـــسِمِ

كَمْ حَـسَّـنَـتْ لَـذَّةً لِلْـمَـرْءِ قَـاتِــــلَةً   ***   مِنْ حَيْثُ لَمْ يَدْرِ أَنَّ السُّمَّ في الـدَّسَمِ

وَخَالِفِ النَّفْسَ وَالشَّيْطَانَ وَاعْصِـهِـمَا   ***   وَإِنْ هُمَا مَحَّضَاكَ النُّصْحَ فَـــــــــاتَّهِمِ

وَيَقُولُ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في وَصِيَّةٍ لِعُمَرَ حِينَ اسْتَخْلَفَهُ: إِنَّ أَوَّلَ مَا أُحَذِّرُكَ نَفْسَكَ التي بَيْنَ جَنْبَيْكَ. /كذا في جامع العلوم والحكم.

وَيَقُولُ الفَارُوقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ، وَإِنَّمَا يَخِفُّ الحِسَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا. رواه الترمذي.

وبناء على ذلك:

فَإِنَّ مُجَاهَدَةَ النَّفْسِ وَمُخَالَفَةَ هَوَاهَا مَطْلُوبٌ شَرْعَاً مِنَ المُسْلِمِ الذي يُرِيدُ جَنَّةَ المَأْوَى، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بِعَدَمِ الاسْتِرْسَالِ مَعَهَا، وَإِلْزَامِهَا الأَخْلَاقَ المَرْضِيَّةَ، وَكَثْرَةِ السُّجُودِ للهِ تعالى، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ.

فَقَالَ لِي: «سَلْ».

فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ.

قَالَ: «أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ».

قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ.

قَالَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ».

وَمَنْ أَرَادَ تَزْكِيَةَ نَفْسِهِ فَعَلَيْهِ بِصُحْبَةِ وُرَّاثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذينَ وَرِثُوا عَنْهُ تَزْكِيَةَ النُّفُوسِ، لِأَنَّ مِنْ مُهِمَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَزْكِيَةَ النُّفُوسِ، قَالَ تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولَاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾.

وَبِقَبْضِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَالْتِحَاقِهِ بِالرَّفِيقِ الأَعْلَى تَرَكَ وُرَّاثَاً وَرِثُوا العِلْمَ وَالتَّزْكِيَةَ، فَالسَّعِيدُ المُوَفَّقُ مَنْ أَكْرَمَهُ اللهُ تعالى بِصُحْبَةِ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الوُرَّاثِ حَتَّى يُزَكِّيَ نَفْسَهُ.

اللَّهُمَّ دُلَّنَا عَلَى مَنْ يَدُلُّنَا عَلَيْكَ، وَقَرِّبْنَا مِنَ الذي يُقَرِّبُنَا إِلَيْكَ، وَلَا تَحْجُبْ عَنَّا أَحْبَابَكَ بِشُؤْمِ ذُنُوبِنَا. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
10245 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مسائل فقهية متنوعة

 السؤال :
 2023-12-29
 1223
اتَّصَلَتِ امْرَأَةٌ بِمُدِيرِهَا تُبَارِكُ لَهُ بِمَوْلُودٍ جَاءَهُ، فَرَدَّ عَلَيْهَا وَأَخْبَرَهَا أَنَّهُ يُحِبُّهَا مُنْذُ أَنْ عَرَفَهَا، وَطَلَبَ مِنْهَا أَنْ يَزُورَهَا في زِيَارَةً خَاصَّةً، فَمَاذَا تَفْعَلُ، وَهِيَ امْرَأَةٌ مُتَزَوِّجَةٌ وَمُحَافِظَةٌ؟
رقم الفتوى : 12878
 السؤال :
 2023-12-29
 233
لَقَدْ دَعَانَا الإِسْلَامُ إلى العَفْوِ وَالصَّفْحِ عَنِ المُسِيءِ، أَلَا تَرَى في ذَلِكَ ضَيَاعًا لِكَرَامَةِ الإِنْسَانِ؟
رقم الفتوى : 12876
 السؤال :
 2023-12-11
 590
أَنَا طَالِبُ عِلْمٍ، وَأَدْرُسُ الشَّرِيعَةَ، وَلَكِنَّ نَظْرَةَ المُجْتَمَعِ وَالأَقَارِبِ نَظْرَةٌ دُونِيَّةٌ، وَيَقُولُونَ: إِنَّنِي إِنْسَانٌ مُتَخَلِّفٌ، وَيُسْمِعُونِي كَلَامًا جَارِحًا، وَوَالِدِي مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، يَرَى الأَخْطَاءَ، فَأَقُولُ لَهُ: قَدِّمِ النُّصْحَ لَهُمْ، فَيَقُولُ: لَا شَأْنَ لَنَا مَعَ أَحَدٍ، فَبِمَ تَنْصَحُنِي؟
رقم الفتوى : 12849
 السؤال :
 2023-07-13
 2851
هَلْ صَحِيحٌ أَنَّ مُعَلِمَ الصِّبْيَانِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؟
رقم الفتوى : 12644
 السؤال :
 2023-07-13
 1256
هَلْ صَحِيحٌ أَنَّ المَحْرُومَ مِنَ الوَلَدِ إِذَا لَازَمَ الاسْتِغْفَارَ يُكْرِمُهُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِذُرِّيَّةٍ صَالِحَةٍ؟
رقم الفتوى : 12642
 السؤال :
 2023-03-25
 7540
امْرَأَةٌ مُتَزَوِّجَةٌ، ارْتَكَبَتْ جَرِيمَةَ الزِّنَا، وَتُرِيدُ أَنْ تَتُوبَ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهَلْ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَطْلُبَ الطَّلَاقَ مِنْ زَوْجِهَا، وَتَتَزَوَّجَ مِنَ الزَّانِي بِهَا، لَعَلَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقْبَلُ تَوْبَتَهَا؟
رقم الفتوى : 12474

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3161
المكتبة الصوتية 4797
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414027413
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :