الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَإِنَّهُ يَجُوزُ للرَّجُلِ أَنْ يَلْبَسَ خَاتَمَ الفِضَّةِ، لِمَا رَوَى الشيخان عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: اتَّخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَاتَمَاً مِنْ وَرِقٍ (فِضَّةٍ) وَكَانَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ عُمَرَ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ عُثْمَانَ، حَتَّى وَقَعَ بَعْدُ فِي بِئْرِ أَرِيسَ، نَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ».
وَيَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: التَّخَتُّمُ بِالْفِضَّةِ حَلَالٌ لِلرِّجَالِ بِالْحَدِيثِ، وَبِالذَّهَبِ وَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ بِالْحَدِيثِ، روى أَبو داود عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلَاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ شَبَهٍ (نُحَاسٍ أَصْفَرَ).
فَقَالَ لَهُ: «مَا لِي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الْأَصْنَامِ» (يَعْنِي: مِنْ جِنْسِ مَا قَدْ يُتَّخَذُ مِنْهُ الصَّنَمُ).
فَطَرَحَهُ، ثُمَّ جَاءَ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ.
فَقَالَ: «مَا لِي أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ».
فَطَرَحَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَتَّخِذُهُ؟
قَالَ: «اتَّخِذْهُ مِنْ وَرِقٍ، وَلَا تُتِمَّهُ مِثْقَالَاً». هذا أولاً.
ثانياً: إِذَا اتَّخَذَ الرَّجُلُ خَاتَمَ الفِضَّةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَزِيدَ خَاتَمَهُ عَلَى مِثْقَالٍ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا تُتِمَّهُ مِثْقَالَاً». وَالمِثْقَالُ مَا يُعَادِلُ خَمْسَ غراماتٍ.
ثالثاً: وَأَمَّا عَدَدُ خَوَاتِمِ الرَّجُلِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ الفُقَهَاءُ، فَقَالَ المَالِكِيَّةُ: لَا يُبَاحُ للرَّجُلِ أَكْثَرُ مِنْ خَاتَمٍ وَاحِدٍ، وَلَو كَانَ التَّعَدُّدُ في حُدُودِ الوَزْنِ المُبَاحِ شَرْعَاً.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوِ اتَّخَذَ الرَّجُلُ خَوَاتِيمَ كَثِيرَةً لِيَلْبَسَ الوَاحِدَ مِنْهَا بَعْدَ الوَاحِدِ جَازَ.
وبناء على ذلك:
فَيَجُوزُ للرَّجُلِ أَنْ يَتَخَتَّمَ بِالفِضَّةِ، عَلَى أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ وَزْنُهُ مِثْقَالَاً /5غ/ وَالأَوْلَى الاقْتِصَارُ عَلَى خَاتَمٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ عَدَّدَهُ ضِمْنَ المُتَعَارَفِ عَلَيْهِ فَلَا حَرَجَ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى، مَا دَامَ التَّعَدُّدُ في حُدُودِ الوَزْنِ المُبَاحِ شَرْعَاً. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |