الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَهَذِهِ الآيَةُ تُعَلِّمُنَا آدَابَ الاسْتِئْذَانِ دَاخِلَ الأُسْرَةِ المُكَوَّنَةِ مِنْ أَبَوَيْنِ وَأَبْنَاءَ وَمِلْكِ اليَمِينِ ـ الأَرِقَّاءِ ـ لِتَنْشَأَ الأُسْرَةُ عَلَى أَفْضَلَ مَا يَكُونُ، فَهَذَا الأَدَبُ تَكْلِيفٌ مِنَ اللهِ تعالى بِأَنْ نَأْمُرَ الأَطْفَالَ الصِّغَارَ الذينَ لَمْ يَدْخُلُوا سِنَّ التَّكْلِيفِ، وَأَنْ نَأْمُرَ الأَرِقَّاءَ ـ العَبِيدَ ـ بِالاسْتِئْذَانِ عَلَيْنَا وَلَا نَتْرُكُهُمْ يَدْخُلُونَ وَيَخْرُجُونَ بِدُونِ ضَابِطٍ.
فَقَيَّدَ اللهُ تعالى هَذَا بِضَابِطٍ: ﴿مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ﴾. هَذِهِ أَوْقَاتٌ ثَلَاثَةٌ لَا يُسْمَحُ لَهُمْ بِالدُّخُولِ عَلَيْنَا إِلَّا بَعْدَ الاسْتِئْذَانِ، فَالوَقْتُ الذي قَبْلَ صَلَاةِ الفَجْرِ، لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالنَّوْمِ، وَالإِنْسَانُ في النَّوْمِ يَكُونُ حُرَّ الحَرَكَةِ وَاللِّبَاسِ، وَوَقْتُ الظَّهِيرَةِ هُوَ وَقْتُ القَيْلُولَةِ وَوَقْتُ الرَّاحَةِ يُخَفِّفُ فِيهِ المَرْءُ مِنْ مَلَابِسِهِ، وَالوَقْتُ الذي بَعْدَ العِشَاءِ وَقْتُ النَّوْمِ.
وَيُسَمِّي اللهُ تعالى هَذِهِ الأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةَ عَوْرَةً: ﴿ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ﴾. وَالعَوْرَةُ هِيَ مَا يَكْرَهُ الإِنْسَانُ أَنْ يَرَاهَا أَحَدٌ، أَو يَرَاهُ عَلَيْهَا، لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنَ الخَلَلِ وَالخُصُوصِيَّةِ، وَاللهُ تعالى لَا يُرَيدُ أَنْ يَرَاكَ أَحَدٌ عَلَى شَيْءٍ تَكْرَهُهُ.
أَمَّا بَعْدَ هَذِهِ الأَوْقَاتِ فَلَا إِثْمَ وَلَا حَرَجَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْكُمْ العَبِيدُ، وَالأَوْلَادُ الصِّغَارُ بِدُونِ اسْتِئْذَانٍ، لِأَنَّ طَبِيعَةَ الحَيَاةِ لَا تَسْتَغْنِي عَنْ دُخُولِ هَؤُلَاءِ وَخُرُوجِهِمْ بِاسْتِمْرَارٍ.
وَلَكِنْ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ بِأَنَّ الأَرِقَّاءَ لَمْ يَعُدْ لَهُمُ الآنَ وُجُودٌ، وَالخُدَّامُ في البُيُوتِ لَا تَنْطَبِقُ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الآيَةُ، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ أُجَرَاءُ، مَعَ العِلْمِ بِأَنَّ وُجُودَ الخَادِمَةِ في البَيْتِ مَعَ وُجُودِ الزَّوْجِ وَالأَوْلَادِ الذُّكُورِ لَا يَجُوزُ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |