الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ قَالَ تعالى في الكَافِرِينَ: ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيَاً وَبُكْمَاً وَصُمَّاً﴾. وَجَاءَ تَأْكِيدُ هَذَا في قَوْلِهِ تعالى: ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ﴾. فَأَهْلُ النَّارِ يَسْمَعُونَ وَلَا يَسْمَعُونَ، يَسْمَعُونَ شَهِيقَ جَهَنَّمَ وَزَفِيرَهَا، وَيَسْمَعُونَ صَوْتَ مَنْ يَتَوَلَّى تَعْذِيبَهُمْ مِنَ الزَّبَانِيَةِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمَاً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾. وَ لَكِنَّهُمْ لَا يَسْمَعُونَ مَا يَسُرُّهُمْ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَأَهْلُ النَّارِ يَكُونُونَ في عَمَاءٍ مِنْ أُمُورِهِمْ، وَلَا يَسْمَعُونَ مَا تَطِيبُ بِهِ نُفُوسُهُمْ، وَلَا يَتَكَلَّمُونَ بِحُجَّةٍ، فَهُمْ يُصِيبُهُمْ العَمَى وَالصَّمَمُ وَالبَكَمُ، كَمَا عَمُوْا عَنِ الحَقِّ فَلَمْ يُبْصِرُوهُ، وَعَنِ الاسْتِمَاعِ إِلَيْهِ، وَعَنِ النُّطْقِ بِهِ، فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ مَا تَقَرُّ بِهِ أَعْيُنُهُمْ، وَلَا يَسْمَعُونَ مَا يَلَذُّ لَهُمْ سَمَاعُهُ، وَلَا يَنْطِقُونَ بِمَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا في الدُّنْيَا: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |