الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إلى أَنَّ نُشُوزَ المَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا حَرَامٌ، لِمَا وَرَدَ في تَعْظِيمِ حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ، وَوُجُوبِ طَاعَتِهَا لَهُ، لِمَا رَوَى الحاكم عَنْ حُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَمَّتِي، قَالَتْ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الحَاجَةِ، فَقَالَ: «أَيْ هَذِهِ، أَذَاتُ بَعْلٍ أَنْتِ؟».
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: «كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟».
قَالَتْ: مَا آلُوهُ إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ.
قَالَ: «فَأَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ؟ فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ».
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا صَلَّتِ المَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الجَنَّةِ شِئْتِ» رواه الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كُنْتُ آمِرَاً أَحَدَاً أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ المَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا» رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَاسْتَدَلَّ الفُقَهَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ نُشُوزِ المَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا بِمَا وَرَدَ مِنَ الوَعِيدِ الشَّدِيدِ لِمَنْ تَنْشُزُ عَلَى زَوْجِهَا، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا بَاتَتِ المَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، لَعَنَتْهَا المَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ».
وروى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا المَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ».
فَالمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ هِيَ التي الْتَزَمَتْ قَوْلَهُ تعالى: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلَاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيَّاً كَبِيرَاً﴾.
وَتَحَقَّقَتْ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا اسْتَفَادَ المُؤْمِنُ بَعْدَ تَقْوَى اللهِ خَيْرَاً لَهُ مِنْ زَوْجَةٍ صَالِحَةٍ، إِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِنْ أَقْسَمَ عَلَيْهَا أَبَرَّتْهُ، وَإِنْ غَابَ عَنْهَا نَصَحَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ» رواه ابن ماجه عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
ثانياً: المَرْأَةُ تَكُونُ نَاشِزَاً إِذَا مَنَعَتْ نَفْسَهَا مِنَ الزَّوْجِ بِغَيْرِ حَقٍّ.
وَإِذَا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ.
وَإِذَا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِ العِدَّةِ مُرَاغِمَةً لِزَوْجِهَا.
وَبِإِغْلَاقِ البَابِ في وَجْهِ زَوْجِهَا، وَمَنْعِهِ مِنَ الدُّخُولِ للبَيْتِ.
وَإِذَا شَتَمَتْ زَوْجَهَا وَآذَتْهُ بِلِسَانِهَا مِنْ غَيْرِ حَقٍّ.
وَإِذَا دَعَاهَا إلى مَنْزِلِهِ وَأَبَتْ.
وَإِذَا سَافَرَتْ بِدُونِ إِذْنِ زَوْجِهَا.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَنُشُوزُ المَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا حَرَامٌ، وَكَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ، إِذَا كَانَ بِدُونِ سَبَبٍ، وَتُعْتَبَرُ المَرْأَةُ نَاشِزَةً إِذَا مَنَعَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، أَو خَرَجَتْ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِ، أَو لَمْ تُتَابِعْهُ في مَسْكَنِهِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |