الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَهَذِهِ القَاعِدَةُ العَقْدُ شَرِيعَةُ المُتَعَاقِدَيْنَ، لَيْسَتْ مِنْ قَوَاعِدِ شَرِيعَتِنَا، بَلْ هِيَ قَاعِدَةٌ قَانُونِيَّةٌ، وَأَصْلُهَا مُسْتَمَدٌّ مِنَ القَوَانِينِ الغَرْبِيَّةِ.
هَذِهِ القَاعِدَةُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بِهَا عَلَى إِطْلَاقِهَا، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالَاً مُبِينَاً﴾.
وَلِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمَاً﴾.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَهَذِهِ القَاعِدَةُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بِهَا عَلَى الإِطْلَاقِ، وَلَيْسَتْ هِيَ قَاعِدَةً شَرْعِيَّةً، لِأَنَّ العُقُودَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُوَافِقَةً للكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَلَيْسَتِ العِبْرَةُ بِمُطْلَقِ التَّرَاضِي بَيْنَ المُتَعَاقِدَيْنَ، فَإِذَا اتَّفَقَ المُتَعَاقِدَانَ عَلَى عَقْدٍ لَا يُخَالِفُ الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَحِينَئِذٍ يُقَالُ: إِنَّ الأَصْلَ في العُقُودِ التَّرَاضِي بَيْنَ المُتَعَاقِدَيْنَ.
وَأَمَّا إِذَا اتَّفَقَا عَلَى عَقْدٍ يُخَالِفُ الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَلَا قِيمَةَ لِتَرَاضِيهِمَا، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، كِتَابُ اللهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللهِ أَوْثَقُ» رواه الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
وَرَحِمَ اللهُ تَعَالَى مَنْ قَالَ: مِنْ عَلَامَاتِ النُّجْحِ في النِّهَايَاتِ الرُّجُوعُ إلى اللهِ في البِدَايَاتِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |