الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَكْفِيكَ شَرَفًا أَنَّكَ مَحسُودٌ وَلَسْتَ بِحَاسِدٍ، لِأَنَّ الحَاسِدَ يَعْتَرِضُ عَلَى اللهِ تَعَالَى فِي عَطَائِهِ، لِهَذَا يَقُولُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ، فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ ـ أَوْ قَالَ: الْعُشْبَ ـ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الْحَسَدُ، وَالْبَغْضَاءُ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ: الْحَالِقَةُ، حَالِقَةُ الدِّينِ لَا حَالِقَةُ الشَّعَرِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ، أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ».
فَالحَاسِدُ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، مُتْعِبٌ نَفْسَهُ وَمُحْزِنُهَا، وَأَوْقَعَ نَفْسَهُ فِي الإِثْمِ، وَرَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى مَنْ قَالَ:
وأَظلمُ أَهْلِ الأَرْضِ مَنْ كَانَ حَاسِدًا *** لِمَنْ بَاتَ فِي نَعمَائِهِ يَتَقَلَّبُ
وَالحَسَدُ حَسَكٌ مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ هَلَكَ، وَكَفَى لِلْحَاسِدِ ذَمًّا آخِرُ سُورَةِ العَلَقِ.
وَيَقُولُ سَيِّدُنَا مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَيْسَ فِي خِصَالِ الشَّرِّ أَعْدَلُ مِنَ الْحَسَدِ، يَقْتُلُ الْحَاسِدَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمَحْسُودِ. كَذَا فِي أَدَبِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ.
وَرَحِمَ اللهُ تَعَالَى مَنْ قَالَ:
دَعِ الْحَسُودَ وَمَا يَلْقَاهُ مِنْ كَـمَدِهْ *** كَفَّاكَ مِنْهُ لَهَيْبُ النَّارِ فِي كَبِدِهْ
إنْ لُـمْتَ ذَا حَسَدٍ نَفَّسْتَ كُرْبَتَهُ *** وَإِنْ سَــكَتَّ فَقَدْ عَذَّبْتَهُ بِيَدِهْ
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَيَكْفِي المَحْسُودَ أَنَّ سُكُوتَهُ عَنْ حَاسِدِهِ يَجْعَلُ لَهِيبًا فِي قَلْبِ حَاسِدِهِ، فَالمُنْعَمُ عَلَيْهِ مَا دَامَ للهِ شَاكِرًا عَلَى نِعَمِهِ فَهُوَ السَّيِّدُ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ، فِي العَطَاءِ وَفِي المَنْعِ، وَفِي الخَفْضِ وَفِي الرَّفْعِ؛ المُنْعَمُ عَلَيْهِ عَارِفٌ وَعَالِمٌ بِمَوْلَاهُ، إِنْ أَعْطَاهُ شَكَرَ، وَإِنْ مَنَعَهُ صَبَرَ، فَهُوَ لَا يُبَالِي فِي أَيِّ مَقَامٍ أَقَامَهُ اللهُ تَعَالَى، فَسِيَادَتُهُ بِمَوْلَاهُ المُنْعِمُ المُتَفَضِّلُ، وَرَحِمَ اللهُ تَعَالَى مَنْ قَالَ:
إِنَّ الْأَمِيرَ هُــوَ الَّــذِي *** أَضْحَى أَمِيرًا يَوْمَ عَزْلِهِ
إِنْ زَالَ سُلْطَانُ الْوِلَايَةِ *** كَــانَ فِي سُلْطَانِ عَدْلِهِ
هذا، والله تعالى أعلم.