الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَأَقُولُ لِكُلِّ زَوْجٍ، وَلِكُلِّ صَاحِبِ دِينٍ وَخُلُقٍ، يُطِيلُ السَّهَرَ خَارِجَ البَيْتِ، وَيُكْثِرُ مِنْهُ: يَا صَاحِبَ الدِّينِ: هَلْ سَهَرُكَ في طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ وَهَلْ تَمَتُّعُكَ بِسَهَرِكَ في مَرْضَاةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ وَهَلْ سَهَرُكَ الطَّوِيلُ الكَثِيرُ بَعِيدَاً عَنْ زَوْجَتِكَ وَأَوْلَادِكَ يُرْضِي اللهَ عَزَّ وَجَلَّ؟
وَاللهِ الذي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، لَو كَانَ سَهَرُكَ في خِدْمَةِ دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفي خِدْمَةِ المُسْلِمِينَ، وَفِيمَا يَنْفَعُكَ وَيَنْفَعُ ذُرِّيَّتَكَ، لَعَطَّفَ اللهُ تعالى قَلْبَ زَوْجَتِكَ عَلَيْكَ، وَقَلْبَ أَوْلَادِكَ عَلَيْكَ، وَلَرَضِيَ الجَمِيعُ عَنْكَ. هذا أولاً.
ثانياً: هَلْ أَنْتَ تَشْعُرُ بِأَنَّ اللهَ تعالى رَاضٍ عَنْكَ في سَهَرِكَ الطَّوِيلِ الكَثِيرِ، وَأَنْتَ بَعِيدٌ عَنْ زَوْجَتِكَ وَأَبْنَائِكَ؟ أَيْنَ حَقُّ الزَّوْجَةِ؟ وَأَيْنَ حَقُّ الوَلَدِ؟ أَيْنَ أَنْتَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقّاً»؟ رواه الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
وَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾؟
ثالثاً: هَلْ تَعْلَمُ بِأَنَّ سَهَرَكَ الطَّوِيلَ الكَثِيرَ خَارِجَ بَيْتِكَ مَعَ أَصْحَابِكَ فِيهِ إِيذَاءٌ لَكَ، وَلِزَوْجَتِكَ، وَلِأَوْلَادِكَ، وَفِيهِ إِيذَاءٌ لِزَوْجَةِ صَاحِبِ البَيْتِ مِنْ حَيْثُ تَدْرِي، وَمِنْ حَيْثُ لَا تَدْرِي؟
وَهَلْ تَعْلَمُ بِأَنَّ إِيذَاءَ زَوْجَتِكَ وَأَوْلَادِكَ، وَإِيذَاءَ زَوْجَةِ صَدِيقِكَ وَأَوْلَادِهِ كَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ؟
رابعاً: هَلْ تَعْلَمُ بِأَنَّ سَهَرَكَ الطَّوِيلَ وَالكَثِيرَ خَارِجَ بَيْتِكَ فَتَحَ لِزَوْجَتِكَ وَأَوْلَادِكَ بَابَاً كَبِيرَاً مِنْ أَبْوَابِ الفِتَنِ، وَخَاصَّةً عَنْ طَرِيقِ النِّت، وَمَا أَدْرَاكَ مَا النِّت؟
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَيَا صَاحِبَ الدِّينِ وَالخُلُقِ، اتَّقِ اللهَ تعالى في زَوْجَتِكَ، اتَّقِ اللهَ تعالى في أَوْلَادِكَ، وَاللهِ لَو كَانَ سَهَرُكَ مِنْ خِلَالِ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. لَكُنْتَ في خَيْرٍ عَظِيمٍ.
وَاللهِ لَو كَانَ سَهَرُكَ مِنْ خِلَالِ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً﴾ لَكُنْتَ في خَيْرٍ عَظِيمٍ.
وَاللهِ لَو كَانَ سَهَرُكَ في مُدَارَسَةِ العِلْمِ لَكُنْتَ في خَيْرٍ عَظِيمٍ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ الشَّرْعَ لَا يُقِرُّكَ مَعَ سَهَرِكَ في الطَّاعَةِ أَنْ تُهْمِلَ حَقَّ زَوْجَتِكَ؛ انْظُرْ في سِيرَةِ خَيْرِ الخَلْقِ بَعْدَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سِيرَةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، كَيْفَ ذَكَّرَ سَيِّدُنَا سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ أَخَاهُ أَبَا الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا بِحَقِّ زَوْجَتِهِ عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَ يَقْضِي اللَّيْلَ في العِبَادَةِ وَلَا يُعْطِي زَوْجَتَهُ حَقَّهَا.
يَا صَاحِبَ الدِّينِ وَالخُلُقِ في نَظَرِ زَوْجَتِكَ، أَرْجُو اللهَ تعالى أَنْ لَا يَكُونَ سَهَرُكَ في مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، أَرْجُو اللهَ تعالى أَنْ لَا يَكُونَ سَهَرُكَ مَعَ قُرَنَاءِ السُّوءِ، أَرْجُو اللهَ تعالى أَنْ لَا يَكُونَ سَهَرُكَ في الأَلْعَابِ المُحَرَّمَةِ، كَوَرَقِ الشَّدَّةِ وَالطَّاوِلَةِ، أَرْجُو اللهَ تعالى أَنْ لَا يَكُونَ سَهَرُكَ في الغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالسُّخْرِيَةِ.
يَا صَاحِبَ السَّهَرِ الطَّوِيلِ وَالكَثِيرِ، لَقَدْ ضَيَّعْتَ كَثِيرَاً مِنَ الوَاجِبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ التي عَلَيْكَ، كَمْ ضَيَّعْتَ صَلَاةَ الفَجْرِ؟ كَمْ ضَيَّعْتَ حَقَّ الزَّوْجَةِ وَالأَوْلَادِ؟
يَا صَاحِبَ السَّهَرِ الطَّوِيلِ وَالكَثِيرِ، لَقَدْ آذَيْتَ جَسَدَكَ مِنْ خِلَالِ نِسْيَانِكَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً﴾. نَوْمُكَ بِاللَّيْلِ غَيْرُ نَوْمِكَ بِالنَّهَارِ، لَقَدْ خَالَفْتَ الفِطْرَةَ، وَأَتْعَبْتَ جَسَدَكَ.
يَا صَاحِبَ السَّهَرِ الطَّوِيلِ وَالكَثِيرِ، لَقَدْ فَوَّتَّ عَلَى نَفْسِكَ البَرَكَةَ، بَرَكَةَ البُكُورِ، لَقَدْ حَرَمْتَ نَفْسَكَ مِنْ دُعَاءِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا» رواه الترمذي عَنْ صَخْرٍ الغَامِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
لَقَدْ حَرَمْتَ نَفْسَكَ مِنْ صَلَاةِ الفَجْرِ في جَمَاعَةٍ، وَالجُلُوسَ لِذِكْرِ اللهِ تعالى إلى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَصَلَاةِ الضُّحَى، فَوَّتَّ عَلَى نَفْسِكَ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ».
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ» رواه الترمذي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
يَا رَبِّ، أَذِقْنَا حَلَاوَةَ المُتَابَعَةِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ العِشَاءِ، وَالسَّهَرَ بَعْدَهُ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |