الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ أُمِرَ الزَّوْجُ بِالإِحْسَانِ إلى زَوْجَتِهِ، قَالَ تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾. وَمِنَ المُعَاشَرَةِ بِالمَعْرُوفِ إِشْعَارُهَا بِدَوْرِهَا وَوُجُودِهَا في بَيْتِهَا، وَمَسْؤُولِيَّتِهَا عَنْ أُسْرَتِهَا، لَاسِيَّمَا إِذَا كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الحِكْمَةِ وَالرَّوِيَّةِ، وَعَدَمِ التَّسَرُّعِ، وَالانْسِيَاقِ وَرَاءَ العَاطِفَةِ. هَذَا أولًا.
ثانيًا: لَقَدْ أَوْصَانَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» رواه الترمذي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
وَمِنَ الخَيْرِيَّةِ لَهُنَّ أَخْذُ رَأْيِهِنَّ، وَخَاصَّةً فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأُمُورِ البَيْتِ.
ثالثًا: ثَبَتَ أَنَّ السَّيِّدَةَ أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَشَارَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ عِنْدَمَا قَالَ لِأَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ: «قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا».
قَالَ ـ الرَّاوِي ـ: فَوَاللهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ، حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ.
فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ، اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ.
فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ.
فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا، فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا. رواه الإمام البخاري عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَمُشَاوَرَةُ المَرْأَةِ العَاقِلَةِ الرَّزِينَةِ الحَاذِقَةِ مِنَ المُعَاشَرَةِ بِالمَعْرُوفِ، وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ، وَفِيهَا خَيْرٌ عَظِيمٌ بِإِذْنِ اللهِ تعالى.
وَلَا أَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قِصَّةِ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِنْدَمَا قَالَتْ آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ: ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾.
وَكَذَلِكَ في قِصَّةِ بَنَاتِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ، عِنْدَمَا قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ: ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾.
لَقَدْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى وُفُورِ عَقْلِهَا وَعِلْمِهَا بِمَنْ هُوَ أَهْلٌ للإِجَارَةِ، وَحِفْظِ الأَمَانَةِ في الأَعْمَالِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |