الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَالقُرْآنُ العَظِيمُ قَدْ أُنْزِلَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ، وَأَتَى فِيهِ مِنْ أَسَالِيبِ البَلَاغَةِ مَا عَجَزَ أَرْبَابُ اللُّغَةِ عَنْ مُضَاهَاتِهِ وَالإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾.
حَتَّى قَالَ أَحَدُ بُلَغَاءِ العَرَبِ في صَدْرِ الإِسْلَامِ عَنِ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَهُوَ الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ: وَاللهِ إِنَّ لَهُ لَحَلَاوَةً وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً وَإِنَّ أَعْلَاهُ لَمُثْمِرٌ وَإِنَّ أَسْفَلَهُ لَمُغْدِقٌ، وَمَا يَقُولُ هَذَا بَشَرٌ. رواه البيهقي.
وَمَعَ تَحَدِّي القُرْآنِ للعَرَبِ، وَوُجُودِ الدَّافِعِ مِنْهُمْ للمُعَارَضَةِ وَالنَّقْضِ وَالتَّشْنِيعِ، وَانْتِفَاءِ المَانِعِ بِبُلُوغِهِمْ ذُرْوَةَ الفَصَاحَةِ وَالبَيَانِ، لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ طَعَنَ في لُغَةِ القُرْآنِ، بَلْ غَايَةُ مَا قَالُوا: إِنَّهُ سِحْرٌ مُفْتَرًى.
فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾. هُوَ خِصَامٌ كَانَ بَيْنَ فَرِيقَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ اثْنَيْنِ.
روى الإمام البخاري عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو بَيْنَ يَدَيِ الرَّحْمَنِ لِلْخُصُومَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ.
وَقَالَ قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ: وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾.
قَالَ: هُمُ الَّذِينَ تَبَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ: حَمْزَةُ، وَعَلِيٌّ، وَعُبَيْدَةُ، أَوْ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الحَارِثِ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَالوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ.
وروى الشيخان عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يُقْسِمُ قَسَمًا: إِنَّ ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾ إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ بَرَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ، حَمْزَةُ، وَعَلِيٌّ، وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَعُتْبَةُ، وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾. تَقْرِيرٌ أَنَّ الذينَ اخْتَصَمُوا في رَبِّهِمْ كَانُوا فَرِيقَيْنِ، وَلَمْ يَكُونَا شَخْصَيْنِ، وَهَذِهِ الآيَةُ كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾. هذا، والله تعالى أعلم.