كيف قبل الله توبته؟

11349 - كيف قبل الله توبته؟

05-07-2021 639 مشاهدة
 السؤال :
جَاءَ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَتَلَهُ، فَكَمَّلَ بِهِ مِئَةً، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِئَةَ نَفْسٍ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ؟ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ، فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ، فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللهِ، وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ، فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ، فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ». لَقَدْ قَبِلَ اللهُ تَوْبَتَهُ، دُونَ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ، وَدُونَ أَنْ يُبْرِئَ ذِمَّتَهُ، فَأَيْنَ حُقُوقُ العِبَادِ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 11349
 2021-07-05

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولًا: الحَدِيثُ صَحِيحٌ رواه الإمام مسلم رَحِمَهُ اللهُ تعالى وَغَيْرُهُ.

ثانيًا: القَاتِلُ إِذَا قَتَلَ، تَعَلَّقَتْ بِهِ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ: الحَقُّ الأَوَّلُ للهِ تعالى، وَالثَّانِي للمَقْتُولِ، وَالثَّالِثُ لِوَرَثَةِ المَقْتُولِ.

أَمَّا حَقُّ اللهِ تعالى، فَاللهُ تعالى يَغْفِرُهُ إِذَا صَدَقَ العَبْدُ في تَوْبَتِهِ، لِأَنَّ وَعْدَ اللهِ تعالى لَا يُخْلَفُ، قَالَ تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾.

أَمَّا حَقُّ المَقْتُولِ، فَإِنَّ تَوْبَةَ القَاتِلِ لَا تُؤَدِّي إِلَيْهِ حَقَّهُ لِأَنَّهُ مَاتَ، وَلَا يُمْكِنُ الوُصُولُ إلى اسْتِحْلَالِهِ، وَطَلَبُ التَّبْرِئَةِ مِنْ دَمِهِ، لِذَلِكَ فَهُوَ يُطَالِبُ بِحَقِّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَفي يَوْمِ القِيَامَةِ يَفْصِلُ اللهُ تعالى بَيْنَهُمَا.

أَمَّا حَقُّ أَوْلِيَاءِ المَقْتُولِ، فَمِنْ تَمَامِ تَوْبَةِ القَاتِلِ أَنْ يُسَلِّمَ نَفْسَهُ إِلَيْهِمْ، فَإِنْ شَاؤُوا اقْتَصُّوا، وَإِنْ شَاؤُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ، وَإِنْ شَاؤُوا عَفَوْا وَسَامَحُوا.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَإِنَّ قَاتِلَ مِئَةِ نَفْسٍ تَابَ إلى اللهِ تعالى ، وَصَدَقَ في تَوْبَتِهِ، وَقَبِلَ اللهُ تعالى تَوْبَتَهُ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ.

أَمَّا حُقُوقُ المَقْتُولِينَ تَحَوَّلَتْ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ تعالى، وَكَذَلِكَ وَرَثَةُ المَقْتُولِينَ بِمَوْتِهِمْ تَحَوَّلَتْ حُقُوقُهُمْ إلى اللهِ تعالى، وَاللهُ تعالى يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ.

وَمِنْ تَمَامِ فَضْلِ اللهِ تعالى عَلَى عَبْدِهِ التَّائِبِ الصَّادِقِ، الذي انْتَهَى أَجَلُهُ قَبْلَ أَنْ يُبْرِئَ ذِمَّتَهُ مِنْ حُقُوقِ العِبَادِ، أَنَّهُ تَبَارَكَ وتعالى يَتَحَمَّلُ تَبِعَاتِ التَّائِبِ الصَّادِقِ، وَيُرْضِي خُصُومَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَيُدْخِلُهُمْ جَمِيعًا جَنَّتَهُ بِفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ وَجُودِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَلَا أَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الحَدِيثِ الذي رواه الحاكم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ إِذْ رَأَيْنَاهُ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ ثَنَايَاهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟

قَالَ: «رَجُلَانِ مِنْ أُمَّتِي جَثَيَا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعِزَّةِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَبِّ خُذْ لِي مَظْلِمَتِي مِنْ أَخِي.

فَقَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلطَّالِبِ: فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِأَخِيكِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ حَسَنَاتِهِ شَيْءٌ؟

قَالَ: يَا رَبِّ فَلْيَحْمِلْ مِنْ أَوْزَارِي».

قَالَ: وَفَاضَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالْبُكَاءِ.

ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ ذَاكَ الْيَوْمَ عَظِيمٌ يَحْتَاجُ النَّاسُ أَنْ يُحْمَلَ عَنْهُمْ مِنْ أَوْزَارِهِمْ.

فَقَالَ اللهُ تَعَالَى لِلطَّالِبِ: «ارْفَعْ بَصَرَكَ فَانْظُرْ فِي الْجِنَّانِ.

فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ أَرَى مَدَائِنَ مِنْ ذَهَبٍ وَقُصُورًا مِنْ ذَهَبً مُكَلَّلَةً بِالُّلؤْلُؤِ، لِأَيِّ نَبِيٍّ هَذَا أَوْ لِأَيِّ صِدِّيقٍ هَذَا أَوْ لِأَيِّ شَهِيدٍ هَذَا؟

قَالَ: هَذَا لِمَنْ أَعْطَى الثَّمَنَ.

قَالَ: يَا رَبِّ وَمَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ؟

قَالَ: أَنْتَ تَمْلِكُهُ.

قَالَ: بِمَاذَا؟

قَالَ: بِعَفْوِكَ عَنْ أَخِيكَ.

قَالَ: يَا رَبِّ فَإِنِّي قَدْ عَفَوْتُ عَنْهُ.

قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَخُذْ بِيَدِ أَخِيكَ فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ».

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: «اتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يُصْلِحُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ». هذا، والله تعالى أعلم.

639 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مسائل فقهية متنوعة

 السؤال :
 2025-04-10
 258
مَا وَاجِبُنَا نَحْوَ إِخْوَانِنَا فِي فِلَسْطِينَ، وَخَاصَّةً فِي غَزَّةَ؟
رقم الفتوى : 13560
 السؤال :
 2025-04-10
 106
لَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ كَثِيرًا عَنِ الأَوْلِيَاءِ، وَلَكِنِ اليَوْمَ نَكَادُ لَا نَرَى وَلِيًّا، فَهَلْ قَلَّ عَدَدُ الأَوْلِيَاءِ للهِ تَعَالَى فِي هَذَا الزَّمَانِ؟
رقم الفتوى : 13559
 السؤال :
 2025-03-23
 287
مَا صِحَّةُ مَا يَنْتَشِرُ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُقَدِّمَ هَدِيَّةً لِزَوْجَتِهِ يَوْمَ عِيدِ الفِطْرِ، لِقَاءَ تَعَبِهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَيُسَمَّى هَذَا الحَقُّ حَقَّ المِلْحِ؟
رقم الفتوى : 13540
 السؤال :
 2025-03-21
 108
هُنَاكَ بَعْضُ أَبْيَاتٍ مِنَ الشِّعْرِ قِيلَتْ فِي حَقِّ السَّيِّدَةِ خَدِيجَةَ الكُبْرَى رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، يَقُولُ فِيهَا الشَّاعِرُ: قِفْ بِالحَجُونِ سُوَيْعَةً يَا حَادِي؛ فَهَلْ بِالإِمْكَانِ مَعْرِفَتُهَا، وَمَعْرِفَةُ قَائِلِهَا؟
رقم الفتوى : 13534
 السؤال :
 2025-03-17
 206
مَا هِيَ أَفْضَلُ صِيغَةٍ نُصَلِّي بِها عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
رقم الفتوى : 13527
 السؤال :
 2025-03-12
 36
مَا السَّبِيلُ لِلِاسْتِقَامَةِ عَلَى شَرْعِ اللهِ تَعَالَى، وَخَاصَّةً لِإِنْسَانٍ لَهُ قُرَنَاءُ سُوءٍ؟
رقم الفتوى : 13517

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5677
المقالات 3209
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 422573320
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :