الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن تفسير القرآن العظيم على خلاف ظاهره تفسيراً إشارياً يقدحه الله تعالى في قلوب بعض أوليائه العارفين بالله، من أرباب المجاهدة للنفس الأمارة بالسوء، والذين تنوَّرت قلوبهم بنور المعرفة، ونوَّر الله بصائرهم وجعل لهم فرقاناً، فأدركوا به أسرار القرآن العظيم، أمرٌ لا يمكن إنكاره، وكيف ينكَر هذا العلم والله تعالى يقول: {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ}، والله عز وجل يقول: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُون * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُون * نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيم}؟ فأرباب هذه القلوب التي تتنزَّل عليها الملائكة بالبشائر أيُّ غرابة إذا ألهمها الله عز وجل فهماً إشارياً لبعض آياته؟
والله عز وجل يقول: {وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا}، فما المانع من أن يعلّم الله عز وجل وليّاً من أوليائه وعارفاً من عارفيه بعض أسرار القرآن العظيم؟ وخاصة أننا نعلم بأن أسرار القرآن العظيم لا تنقضي، وعجائبه لا تنفد. كما جاء في الحديث الشريف عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذا القرآن مأدُبَة الله فتعلموا من مأدُبَة الله ما استطعتم، إن هذا القرآن هو حبل الله، وهو النور المُبين، والشفاء النافع، عصمةٌ لمن تمسَّك به، ونجاء لمن تبعه، لا يعوج فيقوَّم، ولا يزيغ فيَسْتَعْتِب، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلَق من كثرة الرد) رواه ابن أبي شيبة، ورواه البيهقي والدارمي وعبد الرزاق موقوفاً.
فمن صفا قلبه وسريرته وعمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم، كما جاء في الأثر: (من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم) قال في كشف الخفاء: رواه أبو نعيم عن أنس.
والعلماء قبلوا التفسير الصوفي الإشاري بدون نكير إذا تحقَّق فيه الشروط التالية:
1ـ ألا يناقض التفسير الإشاري آية من كتاب الله عز وجل، ولا حكماً شرعياً ثبت في دين الله عز وجل.
2ـ أن يكون التفسير الإشاري له شاهد من الكتاب والسنة، فإن لم يكن له شاهد من الكتاب والسنة فيضرب به عرض الحائط.
3ـ أن يكون التفسير الإشاري بينه وبين معنى الآية ارتباط وتلازم.
4ـ ألا يكون التفسير الإشاري بعيداً عن معنى الآية الكريمة، بل يجب أن يكون في لفظ الآية ما يُشعِر به.
5ـ ألا يدّعي أنه المراد وحده دون الظاهر.
وجاء في فتاوى ابن تيمية رحمة الله عليه:
إن الله يفتح على قلوب أوليائه المتقين وعباده الصالحين بسبب طهارة قلوبهم مما يكرهه واتّباعهم ما يحبه ما لا يفتح به على غيرهم، وهذا كما قال سيدنا علي رضي الله عنه: إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه.
نسأل الله تعالى أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور بصائرنا وذهاب غمنا، وأن يعلّمنا ما لم نكن نعلم، وأن يزيدنا من فضله، وأن يجعله حجةً لنا لا علينا. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |