الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد ذهب جهمور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة وفي قول للشافعية إلى أن حلق اللحية حرام، لأنه مناقض للأمر النبوي الشريف بإعفائها وتوفيرها.
فإعفاء اللحية مطلوب شرعاً اتفاقاً، للأحاديث الواردة بذلك، منها حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خالفوا المشركين، وفِّروا اللحى، وأحفوا الشارب) أخرجه البخاري.
ومثله حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس) رواه مسلم. ومنها حديث السيدة عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: (عشر من الفطرة) فعدَّ منها (إعفاء اللحية) أخرجه مسلم.
وقال ابن عابدين رحمه الله تعالى في حاشيته: إعفاء اللحية تركها حتى تكِث وتكثر، وقال ابن دقيق العيد: حقيقة الإعفاء الترك، وترك التعرض للحية يستلزم تكثيرها. وقال ابن حجر: المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: (خالفوا المشركين) مخالفة المجوس، فإنهم كانوا يقصون لحاهم، ومنهم كان يحلقها.
وذهب الإمام النووي رحمه الله تعالى إلى أنه لا يتعرض للحية، فلا يؤخذ من طولها أو عرضها. وذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه إذا زاد طول اللحية عن القبضة يجوز أخذ الزائد، لأنه ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا حلق رأسه في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه. وفي رواية كان إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه.
وبناء على ما تقدم:
فإنه يحرم حلق اللحية، لأنه مخالف لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} [النور: 63].
والصحيح عند الشافعية أن حلق اللحية مكروه.
ولا قيمة للعرف إذا عارض نصاً ثابتاً في القرآن الكريم أو السنة المهطرة، ومن الذي قال بأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإطلاقها كان للعرف؟ أي عرف كان؟
فإذا كان العرف في زمنه صلى الله عليه وسلم حلق اللحية فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
فالحكم لا يتغير ولو تواطأ الناس جميعاً على تغييره.
وبناء على ذلك:
فلا يجوز حلق اللحية، ويجب إعفاؤها عند جمهور الفقهاء. هذا، والله تعالى أعلم.
ر. الفتاوى الهندية، وحاشية الدسوقي على الدردير، وفتح الباري، وشرح المنتهى، وحاشية القليوبي.
ارسل إلى صديق |