الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَإِنَّ وَضْعَ الأَمْوَالِ في البُنُوكِ الرِّبَوِيَّةِ لَا يَجُوزُ شَرْعًا، لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ التَّعَاوُنِ عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾.
وَالنُّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ؛ وَقَالَ: «هُمْ سَوَاءٌ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
فَكَيْفَ يَجْتَرِئُ المُسْلِمُ أَنْ يَضَعَ أَمْوَالَهُ الَّتِي هِيَ نِعْمَةٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى في البُنُوكِ الرِّبَوِيَّةِ؟ وَمَنِ الَّذِي يَقُولُ: بِأَنَّ المَالَ الَّذِي يُوضَعُ في البُنُوكِ الرِّبَوِيَّةِ أَمَانَةً؟ هُوَ لَيْسَ بِأَمَانَةٍ، بَلْ هُوَ قَرْضٌ، لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى البَنْكِ، وَالأَمَانَةُ لَا تَكُونُ مَضْمُونَةً عِنْدَ الأَمِينِ إِلَّا إِذَا قَصَّرَ أَوْ فَرَّطَ في حِفْظِهَا.
فَالمَالُ الَّذِي يُدْفَعُ لِلْبَنْكِ هُوَ مَالٌ مَضْمُونٌ، وَلَوْ عَلِمَ المُودِعُ بِأَنَّ المَالَ غَيْرُ مَضْمُونٍ لَمَا أَوْدَعَهُ، وَلَا يَخْتَلِفُ في ذَلِكَ اثْنَانِ.
فَإِذَا ابْتُلِيَ الرَّجُلُ بِوَضْعِ مَالِهِ في بَنْكٍ رِبَوِيٍّ، وَتَـابَ إِلَى اللهِ تعالى بَـعْدَ مَعْرِفَةِ الحُكْمِ وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَرِدَّ مَالَهُ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ بِدُونِ الرِّبَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾.
لِأَنَّ هَذَا المَالَ الرِّبَوِيَّ لَيْسَ مِنْ حَقِّ المُودِعِ قَطْعًا، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ البَنْكُ مِلْكًا حَرَامًا يَجِبُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهُ بِصَرْفِهِ لِلْفُقَرَاءِ.
لِأَنَّ البَنْكَ مُسْتَقْرِضٌ، وَالمُسْتَقْرِضُ إِذَا ثَمَّرَ المَالَ المُسْتَقْرَضَ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ فَهُوَ يَمْلِكُ ثَمَرَتَهُ، وَإِذَا اسْتَثْمَرَهُ بِطَرِيقٍ غَيْرِ شَرْعِيٍّ فَهُوَ مِلْكٌ لَهُ مِلْكًا حَرَامًا يَجِبُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهُ، لِأَنَّ القَاعِدَةَ تَقُولُ: الخَرَاجُ بِالضَّمَانِ.
وَطَالَمَا أَنَّ البَنْكَ ضَامِنٌ لِهَذَا المَالِ فَمَا خَرَجَ مِنْهُ مِنْ أَرْبَاحٍ فَهُوَ لَهُ، فَإِنْ كَانَتِ الأَرْبَاحُ بِطَرِيقٍ مَشْرُوعٍ فَهُوَ مِلْكٌ حَلَالٌ، وَإِلَّا فَهُوَ حَرَامٌ.
وَهُنَاكَ بَعْضُ الفُقَهَاءِ قَالُوا: إِنَّ المَالَ الرِّبَوِيَّ لَا يَدَعُهُ المُودِعُ لِلْبَنْكِ الرِّبَوِيِّ بَلْ يَأْخُذُهُ وَيَتَخَلَّصُ مِنْهُ بِصَرْفِهِ لِلْفُقَرَاءِ مَعَ كَثْرَةِ الاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |