الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ بِأَنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ البَشَرِ مَعصُومٌ، عَدَا الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» رواه الحاكم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
ثانياً: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ بِأَنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ أَحَدُنَا الجَنَّةَ بِعَمَلِهِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَاً مِنْكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ».
قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: «وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ مِنْهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
ثالثاً: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءَاً يُجْزَ بِهِ﴾.
وبناء على ذلك:
فَمَنِ الذي يَنْجُو يَوْمَ القِيَامَةِ سِوَى الذي يُزَحْزِحُهُ اللهُ تعالى عَنِ النَّارِ، وَيُدخِلُهُ الجَنَّةَ؟
فَالفَوْزُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى دَرَجَتَيْنِ: الأُولَى: أَنْ يُزَحْزَحَ العَبْدُ عَنِ النَّارِ، وَلَو إلى أَهْلِ الأَعْرَافِ؛ هَذَا فَوْزٌ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يُدْخَلَ الجَنَّةَ؛ فَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَقُلْ: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ فَقَدْ فَازَ؛ وَلَمْ يَقُلْ: مَنْ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ؛ بَل جَمَعَ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ فَقَالَ: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾.
لِأَنَّ العَبْدَ عِنْدَمَا يَرَى الأَهْوَالَ وَأَلْوَانَ العَذَابِ في النَّارِ، وَيَمُرُّ عَلَيْهَا، ثُمَّ يُنَجِّيهِ اللهُ تعالى مِنْهَا، وَيُدْخِلُهُ الجَنَّةَ لِيَرَى فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَـشَرٍ؛ هَذَا هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ.
اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِهِ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.