الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: كُلُّ مَالٍ تَرَكَهُ المَيْتُ صَارَ إِرْثَاً، وَصَارَ حَقَّاً مَـشْرُوعَاً بَعْدَ مَوْتِهِ مُبَاشَرَةً لِجَمِيعِ الوَرَثَةِ الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ، الكِبَارِ وَالصِّغَارِ، العُقَلَاءِ وَغَيْرِ العُقَلَاءِ، وَبِالتَّالِي يَسْتَحِقُّ كُلُّ وَارِثٍ نَصِيبَهُ مِنَ التَّرِكَةِ، بَعْدَ إِخْرَاجِ نَفَقَةِ تَجْهِيزِ المَيْتِ، وَقَضَاءِ دُيُونِهِ، وَإِنْفَاذِ وَصِيَّتِهِ، وَالكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَالحَجِّ عَنْهُ إٍِذَا لَمْ يَكُنْ حَاجَّاً، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
ثانياً: أَدَاءُ حَقُّ كُلِّ صَاحِبِ حَقٍّ وَاجِبٌ شَرْعَاً، وَمَنْ يَكُونُ سَبَبَاً في تَأْخِيرِ إِيصَالِ الحَقِّ لِصَاحِبِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ هُوَ ظَالِمٌ وَآثِمٌ وَمُرْتَكِبٌ كَبِيرَةً مِنَ الكَبَائِرِ، لِأَنَّ في ذَلِكَ حِرْمَانٌ للوَارِثِ مِنْ حَقِّهِ الذي فَرَضَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَلْيَحْذَرْ كُلُّ مَنْ كَانَ سَبَبَاً في عَدَمِ تَقْسِيمِ التَّرِكَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ أَنْ يَنْدَرِجَ تَحْتَ قَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ فَرَّ مِنْ مِيرَاثِ وَارِثِهِ، قَطَعَ اللهُ مِيرَاثَهُ مِنَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه ابن ماجه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
ثالثاً: بِرُّ الوَالِدَيْنِ مَطْلُوبٌ شَرْعَاً، وَخَاصَّةً بِالنِّسْبَةِ للأُمِّ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْزَمْ رِجْلَهَا، فَثَمَّ الْجَنَّةُ» رواه ابن ماجه عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَعَلَى الأَبَوَيْنِ وَالأُمِّ خَاصَّةً أَنْ تَكُونَ عَوْنَاً لِأَبْنَائِهَا عَلَى بِرِّهَا، وَرَحِمَ اللهُ وَالِدَاً أَعَانَ وَلَدَهُ عَلَى بِرِّهِ.
وبناء على ذلك:
فَلَا يَجُوزُ للأُمِّ أَنْ تَمْنَعَ الوَرَثَةَ مِنْ حَقِّهِمْ بَعْدَ وَفَاةِ مُوَرِّثِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُقَيِّدَ تَوْزِيعَ التَّرِكَةِ عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا بَعْدَ مَوْتِهَا، لِأَنَّ الأَعْمَارَ بِيَدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَدْ يَمُوتُ الجَمِيعُ وَهِيَ لَا تَزَالُ عَلَى قَيْدِ الحَيَاةِ.
وَيَزْدَادُ الإِثْمُ عَلَى مَانِعِ تَوْزِيعِ التَّرِكَةِ إِذَا كَانَ الوَرَثَةُ بِحَاجَةٍ.
وَلْتَعْلَمِ الأُمُّ أَنَّ سُكْنَاهَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِهَا إِذَا كَانَ لَهَا مَالٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ فَيَجِبُ عَلَى أَبْنَائِهَا تَأْمِينُ السَّكَنِ لَهَا مَعَ النَّفَقَةِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا مَنْعُهُمْ مِنْ حَقِّهِمْ.
وَأَنْصَحُ الأَبْنَاءَ إِذَا لَمْ يَكُونُوا بِحَاجَةٍ أَنْ يَتْرُكُوا البَيْتَ لِأُمِّهِمْ حَتَّى نِهَايَةِ الأَجَلِ، لِأَنَّ هَذَا مِنْ البِرِّ بِهَا.
أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُلْهِمَنَا الرُّشْدَ، وَأَنْ يَجْعَلَ اعْتِمَادَنَا وَتَوَكُّلَنَا عَلَيْهِ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.