الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَمِنَ المَعْلُومِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجَةِ أَنْ تَطْلُبَ الطَّلَاقَ مِنْ زَوْجِهَا إِلَّا لِعُذْرٍ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقَاً فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ» رواه الإمام أحمد وابن ماجه وأبو داود عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «المُخْتَلِعَاتُ هُنَّ المُنَافِقَاتُ» رواه الترمذي عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
لِأَنَّ طَلَبَ الزَّوْجَةِ الطَّلَاقَ مِنْ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فِيهِ إِضْرَارٌ بِهَا وَبِزَوْجِهَا وَبِأَوْلَادِهَا، وَفِيهِ تَهْدِيمُ أُسْرَةٍ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَهَذَا حَرَامٌ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ، مَنْ ضَارَّ ضَارَّهُ اللهُ، وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللهُ عَلَيْهِ» رواه الحاكم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
أَمَّا تَطْلِيقُ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ، فَكَذَلِكَ حَرَامٌ، لِأَنَّهُ ظُلْمٌ للزَّوْجَةِ، وَالظُّلْمُ كَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ، وَطَلَاقُهَا بِغَيْرِ سَبَبٍ كُفْرَانٌ للنِّعْمَةِ، وَنِسْيَانٌ للفَضْلِ، وَهَذَا لَا يَلِيقُ بِشَأْنِ الكِرَامِ مِنَ الرِّجَالِ الأَوْفِيَاءِ.
وبناء على ذلك:
فَيَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ بِدُونِ سَبَبٍ، وَلَو أَعْطَاهَا حَقَّهَا كَامِلَاً، لِأَنَّهُ إِضْرَارٌ بِالمَرْأَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا.
وَهَذَا الزَّوْجُ قَدْ يَنْدَرِجُ تَحْتَ قَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُحِبُّ الذَّوَّاقِينَ وَلَا الذَّوَّاقَاتِ» رواه البزار عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وروى الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ عَن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُطَلِّقُوا النِّسَاءَ إِلَّا مِنْ رِيبَةٍ، فَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الذَّوَّاقِينَ وَلَا الذَّوَّاقَاتِ».
فَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَن ِالطَّلاقِ بِقَصْدِ الزَّوَاجِ ثَانِيَةً لِيَذُوْقَ عُسَيْلَةَ الزَّوْجَةِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ تَحْصُلُ الُمفَارَقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَذَلِكَ.
وروى ابن أبي شيبة عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ ذَوَّاقٍ مِنَ الرِّجَالِ، وَلَا كُلَّ ذَوَّاقَةٍ مِنَ النِّسَاءِ».
وروى الحاكم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَحَلَّ اللهُ شَيْئَاً أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّلَاقِ».
وروى أبو داود وابن ماجه عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ». هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |