الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد أخرَجَ الطَبَراني عَنْ عُتْبَةَ بن غَزْوَانَ أَخِي بني مَازِنِ بن صَعْصَعَةَ، أَنَّ نَبِيَّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الْمُتَمَسِّكُ فِيهِنَّ يَوْمَئِذٍ بِمِثْلِ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ لَهُ كَأَجْرِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ».
قَالُوا: يَا نَبِيَّ الله، أَو مِنْهُمْ؟
قَالَ:«بَلْ مِنْكُمْ».
قَالُوا: يَا نَبِيَّ الله، أَوْ مِنْهُمْ؟
قَالَ: «لا، بَلْ مِنْكُمْ» ثَلاثَ مَرَّاتٍ أَوْ أَرْبَعاً.
وروى البزار عن عبد الله بنِ مسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: « إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الصَّبْرُ فِيهِنَّ كَقَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ»
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، خَمْسِينَ منهم أَو خَمْسِينَ مِنَّا؟
قَال: «خَمسُونَ مِنكُم».
وروى ابن ماجه عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ تَصْنَعُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ؟
قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ؟
قُلْتُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾.
قَالَ: سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيراً، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحَّاً مُطَاعاً، وَهَوىً مُتَّبَعاً، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، وَرَأَيْتَ أَمْراً لَا يَدَانِ لَكَ بِهِ، فَعَلَيْكَ خُوَيْصَةَ نَفْسِكَ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الصَّبْرُ فِيهِنَّ عَلَى مِثْلِ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ».
وَزَادَنِي غَيْرُ عُتْبَةَ بن أَبِي حَكِيمٍ، قِيلَ: يَا رَسُولَ الله، أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلاً مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ، قَالَ:«لا بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلاً مِنْكُمْ».
وبناء على ذلك:
فَالمُتَمَسِّكُ بِدِينِ الله عزَّ وجلَّ أيامَ الفِتَنِ والمِحَنِ والأزَمَاتِ، يُحِلُّ مَا أَحَلَّ اللهُ، ويُحَرِّمُ مَا حَرَّمَ اللهُ، لهُ أجرُ خَمسِينَ رَجُلٍ من أصحَابِ سَيِّدِنَا رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
ومَن نَالَ هذا الأجرَ العَظِيمَ، لِيَعلَمْ بِأنَّهُ مَهمَا عَظُمَ أجرُهُ عندَ الله تعالى فلَن يَنَالَ مرتَبَةً تَكونُ فوقَ مَرتَبَةِ الصَّحَابَةِ الكِرامِ رَضِيَ اللهُ عنهُم، لأنَّ شَرَفَ الصُّحبَةِ مقَامُهُ عَظِيمٌ عِندَ الله عزَّ وجلَّ، ليسَ فوقَهُ مَقامٌ لِأحَدٍ من أتباعِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |