الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ عِلْمَ اليَقِينِ أَنَّ كَلَامَ اللهِ تعالى قَدٍيمٌ وَلَيْسَ بِحَادِثٍ، وَأَمَّا كَلَامُ البَشَرِ فَحَادِثٌ، وَلَا يُمْكِنُ لِلْحَادِثِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى القَدِيمِ، بَلِ الأَمْرُ عَلَى العَكْسِ مِنْ ذَلِكَ تَمَامًا؛ هَذَا أَوَّلًا.
ثَانِيًا: الحَدِيثُ عَنِ اللهِ تعالى وَصِفَاتِهِ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ طَرِيقِ القُرْآنِ الكَرِيمِ وَالسُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ نَصِفَ اللهَ تعالى بِشَيْءٍ إِلَّا بِمَا وَصَفَ بِهِ ذَاتَهُ القُدْسِيَّةَ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مُنْدَرِجًا تَحْتَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.
ثَالِثًا: لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ مَوْصُوفًا بِالذُّكُورَةِ وَالأُنُوثَةِ، فَمَثَلًا المَلَائِكَةُ لَيْسُوا ذُكُورًا وَلَا إِنَاثًا، وَأَعْضَاءُ الجِسْمِ فِيهَا المُذَكَّرُ وَالمُؤَنَّثُ، بِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُ لَا تَحْمِلُ عَلَاقَةَ الذَّكَرِ وَلَا عَلَاقَةَ الأُنْثَى، مِثْلُ: يَدٌ، وَفَخِذٌ، وَعَيْنٌ، وَرِجْلٌ، وَأُذُنٌ، وَمثْلُ: قَلْبٌ، وَلِسَانٌ، وَفَمٌ، وَأَنْفٌ، وَبَطْنٌ، وَظَهْرٌ، وَعَقْلٌ.
رَابِعًا: نَجِدُ في القُرْآنِ الكَرِيمِ في آيَةٍ وَاحِدَةٍ جَمْعًا بَيْنَ المُذَّكَرِ وَالمُؤَنَّثِ، دُونَ النَّظَرِ إلى المُذَكَّرِ وَالمُؤَنَّثِ، قَالَ تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَيَجِبُ الإِيمَانُ بِأَنَّ اللهَ تعالى لَا يُوصَفُ بِذُكُورَةٍ وَلَا بِأُنُوثَةٍ، وَإِنَّمَا هِيَ الضَّرُورَةُ اللُّغَوِيَّةُ في التَّعَامُلِ وَالبَيَانِ، فَالتَّعْبِيرُ عَنْهُ بِضَمِيرِ هُوَ، جَاءَ عَلَى لُغَةِ العَرَبِ في رَدِّ الضَّمِيرِ عَلَى المَذْكُورِ سَابِقًا.
وَأَسْمَاءُ المَعَانِي لَا تُوصَفُ بِذُكُورَةٍ وَلَا أُنُوثَةٍ، وَيُذْكَرُ الضَّمِيرُ لِأَنَّهُ الأَصْلُ، وَأَمَّا التَّأْنِيثُ فَهُوَ فَرْعٌ عَنْهُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالأُنْثَى في المُزْدَوِجَيْنِ، إِذِ الكَوْنُ كُلُّهُ قَائِمٌ عَلَى التَّزَاوُجِ وَالثُّنَائِيَّةِ، الذُّكُورَةِ وَالأُنُوثَةِ، وَالإِيجَابِ وَالسَّلْبِ، قَالَ تعالى: ﴿وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
فَأَصْلُ لُغَاتِ العَالَمِ فِيهَا الذَّكَرُ وَالأُنْثَى، تَقُولُ لِلْمُفْرَدِ المُذَكَّرِ هُوَ، وَالمُفْرَدَةِ المُؤَنَّثَةِ هِيَ، وَكُلُّ هَذَا لَا يَنْطَبِقُ عَلَى اللهِ تعالى الخَالِقِ، فَهُوَ المُتَفَرِّدُ في كُلِّ شَيْءٍ، قَالَ تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾.
وَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ العَائِدِ عَلَى اللهِ تعالى وَحَتَّى عَلَى أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ لَا يَعْنِي وَصْفَ اللهِ تعالى بِالذُّكُورَةِ ـ حَاشَاهُ تَبَارَكَ وتعالى ـ وَتَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا، فَلَيْسَ لَهُ مَثِيلٌ وَلَا شَبِيهٌ وَلَا نَظِيرٌ. هذا، والله تعالى أعلم.